وفي الإتيان بكلمة " بعض " إيماء إلى أنه يرى البعض . وفي هذا إنذار لهم بأن الوعيد نازل بهم ولو تأخر ؛ وأن هذا الدين يستمر بعد وفاة رسول الله A لأنه إذا كان الوعيد الذي أمر بإبلاغه واقعا ولو بعد وفاته فبالأولى أن يكون شرعه الذي لأجله جاء وعيد الكافرين به شرعا مستمرا بعده ضرورة أن الوسيلة لا تكون من الأهمية بأشد من المقصد المقصودة لأجله .
وتأكيد الشرط بنون التوكيد و ( ما ) المزيدة بعد ( إن ) الشرطية مراد منه تأكيد الربط بين هذا الشرط وجوابه وهو ( إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) . على أن نون التوكيد لا يقترن بها فعل الشرط إلا إذا زيدت ( ما ) بعد ( إن ) الشرطية فتكون إرادة التأكيد مقتضية لاجتلاب مؤكدين فلا يكون ذلك إلا لغرض تأكيد قوي .
وقد أرى الله نبيه بعض ما توعد به المشركين من الهلاك بالسيف يوم بدر ويوم الفتح ويوم حنين وغيرها من أيام الإسلام في حياة النبي A ولم يره بعضه مثل عذاب أهل الردة فإن معظمهم كان من المكذبين المبطنين الكفر مثل : مسيلمة الكذاب .
وفي الآية إيماء إلى أن العذاب الذي يحل بالمكذبين لرسوله A عذاب قاصر على المكذبين لا يصيب غير المكذب لأنه استئصال بالسيف قابل للتجزئة واختلاف الأزمان رحمة من الله بأمة محمد A .
و ( على ) في قوله ( عليك البلاغ وعلينا الحساب ) مستعملة في الإيجاب والإلزام وهو في الأول حقيقة وفي الثاني مجاز في الوجوب لله بالتزامه به .
و ( إنما ) للحصر والمحصور فيه هو البلاغ لأنه المتأخر في الذكر من الجملة المدخولة لحرف الحصر والتقدير : عليك البلاغ لا غيره من إنزال الآيات أو من تعجيل العذاب ولهذا قدم الخبر على المبتدأ لتعيين المحصور فيه .
وجملة ( وعلينا الحساب ) عطف على جملة ( عليك البلاغ ) فهي مدخولة في المعنى لحرف الحصر . والتقدير : وإنما علينا الحساب أي محاسبتهم على التكذيب لا غير الحساب من إجابة مقترحاتهم .
( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب [ 41 ] ) عطف على جملة ( وإما نرينك بعض الذي نعدهم ) المتعلقة بجملة ( لكل أجل كتاب ) . عقبت بهذه الجملة لإنذار المكذبين بان ملامح نصر النبي A قد لاحت وتباشير ظفره قد طلعت ليتدبروا في أمرهم فكان تعقيب المعطوف عليها بهذه الجملة للاحتراس من أن يتوهموا أن العقاب بطيء وغير واقع بهم . وهي أيضا بشارة للنبي A بان الله مظهر نصره في حياته وقد جاءت أشراطه فهي أيضا احتراس من أن ييأس النبي A من رؤية نصره مع علمه بأن الله متم نوره بهذا الدين .
والاستفهام في ( أو لم يروا ) إنكاري والضمير عائد إلى المكذبين العائد إليهم ضمير ( نعدهم ) . والكلام تهديد لهم بإيقاظهم إلى ما دب إليهم من أشباح الاضمحلال بإنقاص الأرض أي سكانها .
والرؤية يجوز أن تكون بصرية . والمراد : رؤية آثار ذلك النقص ويجوز أن تكون أي ألم يعملوا ما حل بأرضي الأمم السابقة من نقص .
A E وتعريف ( الأرض ) تعريف الجنس أي نأتي أية أرض من أرضي الأمم . وأطلقت الأرض هنا على أهلها مجازا كما في قوله تعالى ( وسأل القرية ) بقرينة تعلق فعل النقص بها لأن النقص لا يكون في ذات الأرض ولا يرى نقص فيها ولكنه يقع فيمن عليها . وهذا باب قوله تعلى ( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) .
وذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد بالأرض أرض الكافرين من قريش فيكون التعريف للعهد وتكون الرؤية بصرية ويكون ذلك إيقاظا لهم كما غلب عليه المسلمون من أرض العدو فخرجت من سلطانه فتنقص الأرض التي كانت في تصرفهم وتزيد الأرض الخاضعة لأهل الإسلام . وبنوا على ذلك أن هذه الآية نزلت بالمدينة وهو الذي حمل فريقا على القول بأن سورة الرعد مدنية فإذا اعتبرت مدنية صح أن تفسر الأطراف بطرفين وهما مكة والمدينة فإنهما طرفا العرب فمكة طرفها من جهة اليمن والمدينة طرف البلاد من جهة الشام ولم يزل عدد الكفار في البلدين في انتقاص بإسلام كفارها إلى أن تمحضت المدينة ثم تمحضت مكة له بعد يوم الفتح