وذكر ( يدخلونها ) لاستحضار الحالة البهيجة . والجملة حال من ( جنات ) أو من ضمير ( لهم عقبى الدار ) . والواو في ( ومن صلح من آبائهم ) واو المعية وذلك زيادة الإكرام بأن جعل أصولهم وفروعهم وأزواجهم المتأهلين لدخول الجنة لصلاحهم في الدرجة التي هم فيها ؛ فمن كانت مرتبته دون مراتبهم لحق بهم ومن كانت مرتبته فوق مراتبهم لحقوا هم به فلهم الفضل في الحالين . وهذا كعكسه في قوله تعالى ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) الآية لأن مشاهدة عذاب الأقارب عذاب مضاعف .
وفي هذه الآية بشرى لمن كان له سلف صالح أو خلف صالح أو زوج صالح ممن تحققت فيهم هذه الصلات أنه إذا صار إلى الجنة لحق بصالح أصوله أو فروعه أو زوجه . وما ذكر الله هذا إلا لهذه البشرة كما قال الله تعالى ( والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ) .
والآباء يشمل الأمهات على طريقة التغليب كما قالوا : الأبوين .
وجملة ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ) عطف على ( يدخلونها ) فهي في موقع الحال . وهذا من كرامتهم والتنويه بهم فإن تردد رسل الله عليهم مظهر من مظاهر إكرامه .
A E وذكر ( من كل باب ) كناية عن كثرة غشيان الملائكة إياهم بحيث لا يخلو باب من أبواب بيوتهم لا تدخل منه ملائكة . ذلك أن هذا الدخول لما كان مجلبة مسرة كان كثيرا في الأمكنة . ويفهم منه أن ذلك كثير في الأزمنة فهو متكرر لأنهم ما دخلوا من كل باب إلا لأن كل باب مشغول بطائفة منهم فكأنه قيل من كل باب في كل آن .
وجملة ( سلام عليكم ) مقول قول محذوف لأن هذا لا يكون إلا كلاما من الداخلين . وهذا تحية يقصد منها تأنيس أهل الجنة .
والباء في ( بما صبرتم ) للسببية وهي متعلقة بالكون المستفاد من المجرور وهو ( عليكم ) . والتقدير : نالكم هذا التكريم بالسلام بسبب صبركم . ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف مستفاد من المقام أي هذا النعيم المشاهد بما صبرتم .
والمراد : الصبر على مشاق التكاليف وعلى ما جاهدوا بأموالهم وأنفسهم .
وفرع على ذلك ( فنعم عقبى الدار ) تفريع ثناء على حسن عاقبتهم والمخصوص بالمدح محذوف لدلالة مقام الخطاب عليه . والتقدير : فنعم عقبى الدار دار عقباكم . وتقدم معنى ( عقبى الدار ) آنفا .
( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار [ 25 ] ) هذا شرح حال أضداد الذين يوفون بعهد الله وهو ينظر إلى شرح مجمل قوله ( كمن هو أعمى ) . والجملة معطوفة على جملة ( الذين يوفون ) .
ونقض العهد : إبطاله وعدم الوفاء به .
وزيادة ( من بعد ميثاقه ) زيادة في تشنيع النقض أي من بعد توثيق العهد وتأكيده .
وتقدم نظير هذه الآية قوله تعالى ( وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ) في أوائل سورة البقرة .
وجملة ( أولئك لهم اللعنة ) خبر عن ( والذين ينقضون ) وهي مقابل جملة ( أولئك لهم عقبى الدار ) .
والبعد عن الرحمة والخزي وإضافة سوء الدار كإضافة عقبى الدار . والسوء ضد العقبى كما تقدم .
( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع [ 26 ] ) هذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا جوابا عما يهجس في نفوس السامعين من المؤمنين والكافرين من سماع قوله ( أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) المفيد أنهم مغضوب عليهم فأما المؤمنون فيقولون : كيف بسط الله الرزق لهم في الدنيا فازدادوا به طغيانا وكفرا وهلا عذبهم في الدنيا بالخصاصة كما قدر تعذيبهم في الآخرة وذلك مثل قول موسى " عليه السلام " ( ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ) وأما الكافرون فيسخرون من الوعيد مزدهين بما لهم من نعمة . فأجيب الفريقان بأن الله يشاء بسط الرزق لبعض عباده ونقصه لبعض آخر لحكمة متصلة بأسباب العيش في الدنيا ولذلك اتصال بحال الكرامة عنده في الآخرة . ولذلك جاء التعميم في قوله ( لمن يشاء ) ومشيئته تعالى وأسبابها لا يطلع عليها أحد