والإشارة بقوله ( أولئك الذين كفروا بربهم ) للتنبيه على أنهم أحرياء بما سيرد بعد اسم الإشارة من الخبر لأجل ما سبق اسم الإشارة من قولهم ( أإذا كنا ترابا إنا لفي خلق جديد ) بعد أن رأوا دلائل الخلق الأول فحق عليهم بقولهم ذلك حكمان : أحدهما أنهم كفروا بربهم لأن قولهم ( أإذا كنا ترابا إنا لفي خلق جديد ) لا يقوله إلا كافر بالله . أي بصفات الهيئة إذا جعلوه غير قادر على إعادة خلقه وثانيهما استحقاقهم العذاب .
وعطف على هذه الجملة جملة ( وأولئك الأغلال في أعناقهم ) مفتتحة باسم الإشارة لمثل الغرض الذي افتتحت به الجملة قبلها فإن مضمون الجملتين اللتين قبلها يحقق أنهم أحرياء بوضع الأغلال في أعناقهم وذلك جزاء الإهانة . وكذلك عطف جملة ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .
وقوله ( الأغلال في أعناقهم ) وعيد بسوقهم إلى الحساب سوق المذلة والقهر وكانوا يضعون الأغلال للأسرى المثقلين قال النابغة : .
أو حرة كمهاة الرمل قد كبلت ... فوق المعاصم منها والعراقيب .
تدعوا قعينا وقد عض الحديد بها ... عض الثقاف على صم الأنابيب والأغلال : جمع غل بضم الغين وهو القيد الذي يوضع في العنق وهو أشد التقيد . قال تعالى ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل ) وإعادة اسم الإشارة ثلاثا للتهويل .
( وجملة هم فيها خالدون ) بيان لجملة أصحاب النار .
( ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب [ 6 ] ) جملة ( ويستعجلونك ) عطف على جملة ( وإن تعجب ) لأن كلتا الجملتين حكاية لغريب أحوالهم في المكابرة والعناد والاستخفاف بالوعيد . فابتدأ بذكر تكذيبهم بوعيد الآخرة لإنكارهم البعث ثم عطف عليه تكذيبهم بوعيد الدنيا لتكذيبهم الرسول A . وفي الاستخفاف بوعيد نزول العذاب وعدهم إياه مستحيلا في حال أنهم شاهدوا آثار العذاب النازل بالأمم قبلهم وما ذلك إلا لذهولهم عن قدرة الله تعالى التي سبقت الكلام للاستدلال عليها والتفريع عنها فهم يستعجلون بنزوله بهم استخفافا واستهزاء كقولهم ( فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب أليم ) وقولهم ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ) .
والباء في ( بالسيئة ) لتعدية الفعل إلى ما لم يكن يتعدى إليه . وتقدم عند قوله تعالى ( ما عندي ما تستعجلون به ) في سورة الأنعام .
والسيئة : الحالة السيئة . وهي هنا المصيبة التي تسوء من تحل به . والحسنة ضدها أي أنهم سألوا من الآيات ما فيه عذاب بسوء كقولهم ( إن هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ) دون أن يسألوا آية من الحسنات .
فهذه الآية نزلت حكاية لبعض أحوال سؤالهم الظانين أنه تعجيز والدالين به على التهكم بالعذاب .
وقبلية السيئة قبلية اعتبارية أي مختارين السيئة دون الحسنة . وسيأتي تحقيقه عند قوله تعالى ( قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ) في سورة النمل فانظره .
وجملة ( وقد خلت من قبلهم المثلات ) في موضع الحال . وهو محل زيادة التعجيب لأن ذلك قد يعذرون فيه لو كانوا لم يروا أثار الأمم المعذبة مثل عاد وثمود .
والمثلات " بفتح الميم وضم المثلثلة " : جمع مثلة " بفتح الميم وضم الثاء " كسمرة " وبضم الميم وسكون الثاء " كعرفة : وهي العقوبة الشديدة التي تكون مثالا تمثل به العقوبات .
وجملة ( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) عطف على جملة ( وقد خلت من قبلهم المثلات ) . وهذا كشف لغرورهم بتأخير العذاب عنهم لأنهم لما استهزأوا بالنبي A وتعرضوا لسؤال حلول العذاب بهم ورأوا أنه لم يعجل لهم حلوله اعترتهم ضراوة بالتكذيب وحسبوا تأخير العذاب عجزا من المتوعد وكذبوا النبي A وهم يجهلون أن الله حليم يمهل عباده لعلهم يرجعون فالمغفرة هنا مستعملة في المغفرة الموقتة وهي التجاوز عن ضراوة تكذيبهم وتأخير العذاب إلى أجل كما قال تعالى ( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحسبه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) .
A E