A E والمراد ب ( الثمرات ) هي وأشجارها . وإنما ذكرت ( الثمرات ) لأنها موقع منة مع العبرة كقوله ( فأخرجنا به من كل الثمرات ) . فينبغي الوقف على ( ومن كل الثمرات ) وبذلك انتهى تعداد المخلوقات المتصلة بالأرض . وهذا أحسن تفسيرا . ويعضده نظيره في قوله تعالى ( ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) في سورة النحل .
وقيل إن قوله ( ومن كل الثمرات ) ابتداء كلام .
وتتعلق ( من كل الثمرات ) ب ( جعل فيها زوجين اثنين ) . وبهذا فسر أكثر المفسرين . ويبعده أنه لا نكتة في تقديم الجار والمجرور على عامله على ذلك التقدير . لأن جميع المذكور محل اهتمام فلا خصوصية للثمرات هنا ولأن الثمرات لا يتحقق فيها وجود أزواج ولا كون الزوجين اثنين . وأيضا فيه فوات المنة يخلق الحيوان وتناسله مع أن منه معظم نفعهم ومعاشهم . ومما يقرب ذلك قوله تعالى في نحو هذا المعنى ( ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا ) . والمعروف أن الزوجين هما الذكر والأنثى قال تعالى ( فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ) .
والظاهر أن جملة ( جعل فيها زوجين ) مستأنفة للاهتمام بهذا الجنس من المخلوقات وهو جنس الحيوان المخلوق صنفين ذكرا وأنثى أحدهما زوج مع الآخر وشاع إطلاق الزوج على الذكر والأنثى من الحيوان كما تقدم في قوله تعالى ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ) في سورة البقرة وقوله ( وخلق منها زوجها ) في أول سورة النساء وقوله ( قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين ) . وأما قوله تعالى ( وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ) فذلك إطلاق الزوج على الصنف بناء على شيوع إطلاقه على صنف الذكر وصنف الأنثى فأطلق مجازا على مطلق صنف من غير ما يتصف بالذكورة والأنوثة بعلاقة الإطلاق والقرينة قوله ( أنبتنا ) مع عدم التثنية كذلك قوله تعالى ( فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ) في سورة طه .
وتنكير ( زوجين ) للتنويع أي جعل زوجين من كل نوع . ومعنى التثنية في زوجين أن كل فرد من الزوج يطلق عليه زوج كما تقدم في قوله تعالى ( ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ) الآية في سورة الأنعام .
والوصف بقوله ( اثنين ) للتأكد تحقيقا للامتنان .
( يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون [ 3 ] ) جملة ( يغشى ) حال من ضمير ( جعل ) . وجيء فيه بالمضارع لما يدل عليه من التجدد لأن جعل الأشياء المتقدم ذكرها جعل ثابت مستمر وأما إغشاء الليل والنهار فهو أمر متجدد كل يوم وليلة . وهذا استدلال بأعراض أحوال الأرض . وذكره مع آيات العالم السفلي في غاية الدقة العلمية لأن الليل والنهار من أعراض الكرة الأرضية بحسب اتجاهها إلى الشمس وليسا من أحوال السماوات إذ الشمس والكواكب لا يتغير حالها بضياء وظلمة .
وتقدم الكلام على نظير قوله ( يغشي الليل النهار ) في أوائل سورة الأعراف .
وقرأ الجمهور " بسكون الغين وتخفيف الشين " مضارع أغشى . وقرأه حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وخلف " بتشديد الشين " مضارع غشى .
وقوله ( إن في ذلك لآيات ) الإشارة إلى ما تقدم ( الله الذي رفع السماوات ) إلى هنا بتأويل المذكور .
وجعل الأشياء المذكورات ظروفا ل ( آيات ) لأن كل واحدة من الأمور المذكورة تتضمن آيات عظيمة يجلوها النظر الصحيح والتفكير المجرد عن الأوهام . ولذلك أجرى صفة التفكير على لفظ قوم إشارة إلى أن التفكير المتكرر المتجدد هو صفة راسخة فيهم بحيث جعلت من مقومات قوميتهم أي جبلتهم كما بيناه في دلالة لفظ ( قوم ) على ذلك عند قوله تعالى ( لآيات لقوم يعقلون ) في سورة البقرة .
وفي هذا إيماء إلى أن الذين نسبوا أنفسهم إلى التفكير من الطبائعيين فعللوا صدور الموجودات عن المادة ونفوا الفاعل المختار ما فكروا إلا تفكيرا قاصرا مخلوطا بالأوهام ليس ما تقتضيه جبلة العقل إذ اشتبهت عليهم العلل والمواليد بأصل الخلق والإيجاد .
وجيء في التفكير بالصيغة الدالة على التكلف وبصيغة المضارع للإشارة إلى تفكير شديد ومكرر .
والتفكير تقدم عند قوله تعالى ( أفلا تتفكرون ) في سورة الأنعام