والكيل مصدر صالح لمعنى الفاعلية والمفعولية وهو هنا بمعنى الإسناد إلى الفاعل أي لن نكيل فالممنوع هو ابتداء الكيل منهم . ولما لم يكن بيدهم ما يكال تعين تأويل الكيل بطلبه أي منع منا ذلك لعدم الفائدة لأننا لا نمنحه إلا إذا وفينا بما وعدنا من إحضار أخينا . ولذلك صح تفريع ( فأرسل معنا أخانا ) عليه فصار تقديم الكلام : منعنا من أن نطلب الكيل إلا إذا حضر معنا أخونا . فتعين أنهم حكوا القصة لأبيهم مفصلة واختصرها القرآن لظهور المراد . والمعنى : إن أرسلته معنا نرحل للاكتيال ونطلبه . وإطلاق المنع على هذا المعنى مجازا لأنهم أنذروا بالحرمان فصار طلبهم ممنوعا منهم لأن طلبه عبث .
وقرأ الجمهور ( نكتل ) بنون المتكلم المشارك . وقرأه حمزة والكسائي وخلف " بتحيتة عوض النون " على أنه عائد إلى ( أخانا ) أي يكتل معنا .
وجملة ( وإنا له لحافظون ) عطف على جملة ( فأرسل ) . وأكدوا حفظه بالجملة الاسمية الدالة على الثبات وبحرف التوكيد .
وجواب أبيهم كلام موجه يحتمل أن يكون معناه : إني آمنكم كما أمنتكم على أخيه وأن يكون معناه ماذا أفاد ائتمانكم على أخيه من قبل حتى آمنكم عليه .
والاستفهام إنكاري فيه معنى النفي فهو يستفهم عن وجه التأكيد في قولهم ( وإنا له لحافظون ) . والمقصود من الجملة على احتمالها هو التفريع الذي في قوله ( فالله خير حفظا ) أي خير حفظا منكم فإن حفظه الله سلم وإن لم يحفظه لم يسلم كما لم يسلم أخوه من قبل حين أمنتكم عليه .
وهم قد اقتنعوا بجوابه وعلموا منه أنه مرسل معهم أخاهم ولذلك لم يراجعوه في شأنه .
و ( حفظا ) مصدر منصوب على التمييز في قراءة الجمهور . وقرأه حمزة والكسائي وحفص ( حافظا ) على أنه حال من اسم الجلالة وهي حال لازمة .
( ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير [ 65 ] ) A E أصل المتاع ما يتمتع به من العروض والثياب . وتقدم عند قوله تعالى ( لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم ) في سورة النساء . وأطلق هنا على إعدال المتاع وإحماله من تسمية الشيء باسم الحال فيه .
وجملة ( قالوا يا أبانا ) مستأنفة استئنافا بيانيا لترقب السامع أن يعلم ماذا صدر منهم حين فاجأهم وجدان بضاعتهم في ضمن متاعهم لأنها مفاجأة غريبة ولهذه النكتة لم يعطف بالفاء .
و ( ما ) في قوله ( ما نبغي ) يجوز أن يكون للاستفهام الإنكاري بتنزيل المخاطب منزلة من يتطلب منهم تحصيل بغية فينكرون أن تكون لهم بغية أخرى أي ماذا نطلب بعد هذا . ويجوز كون " ما " نافية والمعنى واحد لأن الاستفهام الإنكاري في معنى النفي .
وجملة ( هذه بضاعتنا ردت إلينا ) مبنية لجملة ( ما نبغي ) على الاحتمالين . وإنما علموا أنها ردت إليهم بقرينة وضعها في العدل بعد وضع الطعام وهم قد كانوا دفعوها إلى الكيالين أو بقرينة ما شاهدوا في يوسف " عليه السلام " من العطف عليهم والوعد بالخير إن هم أتوا بأخيهم إذ قال لهم ( إلا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين ) .
وجملة ( ونمير أهلنا ) معطوفة على جملة ( هذه بضاعتنا ردت إلينا ) لأنها في قوة هذا ثمن ما نحتاجه من الميرة صار إلينا ونمير به أهلنا أي نأتيهم بالميرة .
والميرة " بكسر الميم بعدها ياء ساكنة " : هي الطعام المجلوب .
وجملة ( نحفظ أخانا ) معطوفة على جملة ( ونمير أهلنا ) لأن المير يقتضي ارتحالا للجلب وكانوا سألوا أباهم أن يكون أخوهم رفيقا لهم في الارتحال المذكور فكانت المناسبة بين جملة ( ونمير أهلنا ) وجملة ( ونحفظ أخانا ) بهذا الاعتبار فذكروا ذلك تطمينا لخاطر فيهم .
وجملة ( ونزداد كيل بعير ) زيادة في إظهار حرصهم على سلامة أخيهم لأن في سلامته فائدة لهم بازدياد كيل بعير . لأن يوسف " عليه السلام " لا يعطي الممتار أكثر من حمل بعير من الطعام فإذا كان أخوهم معهم أعطاه حمل بعير في عداد الأخوة . وبه تظهر المناسبة بين هذه الجملة والتي قبلها .
وهذه الجمل مرتبة ترتيبا بديعا لأن بعضها متولد عن بعض .
والإشارة في ( ذلك كيل يسير ) إلى الطعام الذي في متاعهم . وإطلاق الكيل عليه من إطلاق المصدر على المفعول بقرينة الإشارة