والأحلام : جمع حلم بضمتين وهو ما يراه النائم في نومه . والتقدير : هذه الرؤيا أضغاث أحلام . شبهت تلك الرؤيا بالأضغاث في اختلاطها وعدم تميز ما تحتويه لما أشكل عليهم تأويلها .
والتعريف فيه أيضا تعريف العهد أي ما نحن بتأويل أحلامك هذه بعالمين . وجمعت ( أحلام ) باعتبار تعدد الأشياء المرئية في ذلك الحلم فهي عدة رؤى .
والباء في ( بتأويل الأحلام ) لتأكيد اتصال العامل بالمفعول وهي من قبيل باء الإلصاق مثل باء ( وامسحوا برؤوسكم ) لأنهم نفوا التمكن من تأويل هذا الحلم . وتقديم هذا المعمول على الوصف العامل فيه كتقديم المجرور في قوله ( إن كنتم للرؤيا تعبرون ) .
فلما ظهر عوص تعبير هذا الحلم تذكر ساقي الملك ما جرى له مع يوسف عليه السلام فقال ( أنا أنبئكم بتأويله ) .
وابتداء كلامه بضميره وجعله مسندا إليه وخبره فعلي لقصد استجلاب تعجب الملك من أن يكون الساقي ينبئ بتأويل رؤيا عوصت على علماء بلاط الملك مع إفادة تقوي الحكم وهو إنباؤه إياهم بتأويلها لأن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في سياق الإثبات يفيد التقوي وإسناد الإنباء إليه مجاز عقلي لأنه سبب الإنباء ولذلك قال ( فأرسلون ) . وفي ذلك ما يستفز الملك إلى أن يأذن له بالذهاب إلى حيث يريد ليأتي بنبأ التأويل إذ لا يجوز لمثله أن يغادر مجلس الملك دون إذن . وقد كان موقنا بأنه يجد يوسف عليه السلام في السجن أنه كان سجن الخاصة فكان ما يحدث فيه من إطلاق أو موت يبلغ مسامع الملك وشيعته .
( وادكر ) بالدال المهملة أصله : اذتكر وهو افتعال من الذكر قلبت تاء الافتعال دالا لثقلها ولتقارب مخرجيهما ثم قلبت الذال ليتأتى إدغامها في الدال لأن الدال أخف من الذال . وهذا أفصح الإبدال في ادكر . وهو قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ( فهل من مدكر ) كما في الصحيح .
ومعنى ( بعد أمة ) بعد زمن مضى على نسيانه وصاية يوسف عليه السلام .
والأمة : أطلقت هنا على المدة الطويلة وأصل إطلاق الأمة على المدة الطويلة هو أنها زمن ينقرض في مثله جيل والجيل يسمى أمة كما في قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) على قول من حمله على الصحابة .
وإطلاقه في هذه الآية مبالغة في زمن نسيان الساقي . وفي التوراة كانت مدة نسيانه سنتين .
وضمائر جمع المخاطب في ( أنبئكم فأرسلون ) مخاطب بها الملك على وجه التعظيم كقوله تعالى ( قال رب ارجعون ) .
ولم يسم لهم المرسل إليه لأنه أراد أن يفاجئهم بخبر يوسف عليه السلام بعد حصول تعبيره ليكون أوقع إذ ليس مثله مظنة أن يكون بين المساجين .
A E ( يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون [ 46 ] ) الخطاب بالنداء مؤذن بقول محذوف في الكلام وأنه من قول الذي نجا وادكر بعد أمة . وحذف من الكلام ذكر إرساله ومشيه ووصوله إذ لا غرض فيه من القصة . وهذا من بديع الإيجاز .
والصديق : أصله صفة مبالغة مشتقة من الصدق كما تقدم عند قوله تعالى ( وأمه صديقة ) في سورة العقود وغلب استعمال وصف الصديق استعمال اللقب الجامع لمعاني الكمال واستقامة السلوك في طاعة الله تعالى لأن تلك المعاني لا تجتمع إلا لمن قوي صدقه في الوفاء بعهد الدين .
وأحسن ما رأيت في هذا المعنى كلمة الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن قال : " الصديقون هم دوين الأنبياء " . وهذا ما يشهد به استعمال القرآن في آيات كثيرة مثل قوله ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ) الآية وقوله ( وأمه صديقة ) . ومنه ما لقب النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالصديق في قوله في حديث رجف جبل أحد " اسكن أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان " . من أجل ذلك أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على أن أبا بكر Bه أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم . وقد جمع الله هذا الوصف مع صفة النبوة في قوله ( واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ) في سورة مريم .
وقد يطلق الصديق على أصل وصفه كما في قوله تعالى ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ) على أحد تأويلين فيها