وذكر آباءه تعليما بفضلهم وإظهارا لسابقية الصلاح فيه وأنه متسلسل من آبائه وقد عقله من أول نشأته ثم تأيد بما علمه ربه فحصل له بذلك الشرف العظامي والشرف العصامي . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكرم الناس : " يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي " . ومثل هذه السلسلة في النبوة لم يجتمع لأحد غير يوسف عليه السلام إذا كان المراد بالنبوة أكملها وهو الرسالة أو إذا كان إخوة يوسف عليه السلام غير أنبياء على رأي فريق من العلماء .
وأراد باتباع ملة آبائه اتباعها في أصولها قبل أن يعطى النبوة إذا كان فيما إذا كان فيما أوحي إليه زيادة على ما أوحي به إلى آبائه من تعبير الرؤيا والاقتصاد ؛ أو أن نبوءته كانت بوحي مثل ما أوحي به إلى آبائه كقوله تعالى ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ) إلى قوله ( أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) .
وذكر السلف الصالح في الحق يزيد دليل الحق تمكنا وذكر ضدهم في الباطل لقصد عدم الحجة بهم بمجردهم . كما في قوله الآتي ( ماتعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ) .
وجملة ( ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ) في قوة البيان لما اقتضته جملة ( واتبعت ملة آبائي ) من كون التوحيد صار كالسجية لهم عرف بها أسلافهم بين الأمم وعرفهم بها لنفسه في هذه الفرصة . ولا يخفى ما تقتضيه صيغة الجحود من مبالغة انتفاء الوصف على الموصوف كما تقدم في قوله تعالى ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب ) في سورة آل عمران وعند قوله تعالى ( قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) في آخر سورة العقود .
و ( من ) في قوله ( من شيء ) مزيدة لتأكيد النفي . وأدخلت على المقصود بالنفي .
وجملة ( ذلك من فضل الله علينا ) زيادة في الاستئناف والبيان لقصد الترغيب في اتباع دين التوحيد بأنه فضل .
وقوله ( وعلى الناس ) أي الذين يتبعونهم وهو المقصود من الترغيب بالجملة .
A E وأتى الاستدراك بقوله ( ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) للتصريح بأن حال المخاطبين في إشراكهم حال من يكفر نعمة الله لأن إرسال الهداة نعمة ينبغي أن ينظر الناس فيها فيعلموا أن ما يدعونهم إليه خير وإنقاذ لهم من الانحطاط في الدنيا والعذاب في الآخرة ولأن الإعراض عن النظر في أدلة صدق الرسل كفر بنعمة العقل والنظر .
( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار [ 39 ] ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون [ 40 ] ) استئناف ابتدائي مصدر بتوجيه الخطاب إلى الفتيين بطريق النداء المسترعي سمعهما إلى ما يقوله للاهتمام به .
وعبر عنهما بوصف الصحبة في السجن دون اسميهما إما لجهل اسميهما عنده إذ كانا قد دخلا السجن معه في تلك الساعة قبل أن تطول المعاشرة بينهما وبينه وإما للإيذان بما حدث من الصلة بينهما وهي صلة المماثلة في الضراء الإلف في الوحشة فإن الموافقة في الأحوال صلة تقوم مقام صلة القرابة أو تفوقها .
واتفق القراء على كسر سين ( السجن ) هنا بمعنى البيت الذي يسجن فيه المعاقبون لأن الصاحب لا يضاف إلى السجن إلا بمعنى المكان .
والإضافة هنا على تقدير حرف الظرفية مثل : مكر الليل أي يا صاحبين في السجن .
وأراد بالكلام الذي كلمهما به تقريرهما بإبطال دينهما فالاستفهام تقريري . وقد رتب لهما الاستدلال بوجه خطابي قريب من أفهام العامة إذ فرض لهما إلها واحدا متفردا بالإلهية كما هو حال ملته التي أخبرهم بها . وفرض لهما آلهة متفرقين كل إله منهم إنما يتصرف في أشياء معينة من أنواع الموجودات تحت سلطانه لا يعدوها إلى ما هو من نطاق سلطان غيره منهم وذلك حال ملة القبط