والتعريف في ( الذئب ) تعريف الحقيقة والطبيعة ويسمى تعريف الجنس . وهو هنا مراد به غير معين من نوع الذئب أو جماعة منه وليس الحكم على الجنس بقرينة أن الأكل من أحوال الذوات لا من أحوال الجنس لكن المراد أية ذات من هذا الجنس دون تعيين . ونظيره قوله تعالى ( كمثل الحمار يحمل أسفارا ) أي فرد من الحمير غير معين وقرينة إرادة الفرد دون الجنس إسناد حمل الأسفار إليه لأن الجنس لا يحمل . ومنه قولهم : " ادخل السوق " إذا أردت فردا من الأسواق غير معين وقولك : ادخل قرينة على ما ذكر . وهذا التعريف شبيه بالنكرة في المعنى إلا أنه مراد به فرد من الجنس . وقريب من هذا التعريف باللام التعريف بعلم الجنس والفرق بين هذه اللام وبين المنكر كالفرق بين علم الجنس والنكرة .
فالمعنى : أخاف أن يأكله الذئب أي يقتله فيأكل منه فإنكم تبعدون عنه لما يعلم من إمعانهم في اللعب والشغل باللهو والمسابقة فتجتري الذئاب على يوسف عليه السلام .
والذئب : حيوان من الفصيلة الكلبية وهو كلب بري وحشي . من خلقه الاحتيال والنفوز . وهو يفترس الغنم . وإذا قاتل الإنسان فجرحه ورأى عليه الدم ضرى به فربما مزقه .
وإنما ذكر يعقوب عليه السلام أن ذهابهم به غدا يحدث به حزنا مستقبلا ليصرفهم عن الإلحاح في طلب الخروج به لأن شأن الابن البار أن يتقي ما يحزن أباه .
وتأكيد الجملة بحرف التأكيد لقطع إلحاحهم بتحقيق أن حزنه لفراقه ثابت تنزيلا لهم منزلة من ينكر ذلك إذ رأى إلحاحهم . ويسري التأكيد إلى جملة ( وأخاف أن يأكله الذئب ) .
فأبوا إلا المراجعة قالوا ( لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذن لخاسرون ) .
واللام في ( لئن أكله ) موطئة للقسم أرادوا تأكيد الجواب باللام . وإن ولام الابتداء وإذن الجوابية تحقيقا لحصول خسرانهم على تقدير حصول الشرط . والمراد : الكناية عن عدم تفريطهم فيه وعن حفظهم إياه لأن المرء لا يرضى أن يوصف بالخسران .
والمراد بالخسران : انتفاء النفع المرجو من الرجال استعاروا له انتفاء نفع التاجر من تجره وهو خيبة مذمومة أي إنا إذن لمسلوبون من صفات الفتوة من قوة ومقدرة ويقظة . فكونهم عصبة يحول دون تواطيهم على ما يوجب الخسران لجميعهم . وتقدم معنى العصبة آنفا . وفي هذا عبرة من مقدار إظهار الصلاح مع استبطان الضر والإهلاك .
وقرأ الجمهور بتحقيق همزة ( الذئب ) على الأصل . وقرأه ورش عن نافع والسوسي عن أبي عمرو والكسائي بتخفيف الهمزة ياء . وفي بعض التفاسير نسب تخفيف الهمزة إلى خلف وأبي جعفر وذلك لا يعرف في كتب القراءات . وفي البيضاوي أن أبا عمروا أظهر الهمزة في التوقف وأن حمزة أظهرها في الوصل .
( فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون [ 15 ] ) تفريع حكاية الذهاب به والعزم على إلقائه في الجب على حكاية المحاورة بين يعقوب عليه السلام وبنيه في محاولة الخروج بيوسف عليه السلام إلى البادية يؤذن بجمل محذوفة فيها ذكر أنهم ألحوا على يعقوب عليه السلام حتى أقنعوه فأذن ليوسف عليه السلام بالخروج معهم وهو إيجاز .
والمعنى : فلما أجابهم يعقوب عليه السلام إلى ما طلبوا ذهبوا به وبلغوا المكان الذي فيه الجب .
وفعل ( أجمع ) يتعدى إلى المفعول بنفسه . ومعناه : صمم على الفعل فقوله ( أن يجعلوه ) هو مفعول ( وأجمعوا ) .
وجواب ( لما ) محذوف دل عليه ( أن يجعلوه في غيابات الجب ) والتقدير : جعلوه في الجب . ومثله كثير في القرآن . وهو من الإيجاز الخاص بالقرآن فهو تقليل في اللفظ لظهور المعنى .
وجملة ( وأوحينا إليه ) معطوفة على جملة ( وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب ) لأن هذا الموحى من مهم عبر القصة .
وقيل : الواو مزيدة وجملة ( أوحينا ) هو جواب ( لما ) وقد قيل بمثل ذلك في قول امرئ القيس : .
" فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ... البيت . وقيل به في قوله تعالى ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم ) الآية وفي جميع ذلك نظر .
والضمير في قوله ( إليه ) عائد إلى يوسف عليه السلام في قول أكثر المفسرين مقتصرين عليه . وذكر ابن عطية أنه قيل الضمير عائد إلى يعقوب عليه السلام .
A E