والنصح عمل أو قول فيه نفع للمنصوح وفعله يتعدى باللام غالبا وبنفسه . وتقدم في قوله تعالى ( أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم ) في سورة الأعراف .
A E وجملة ( وإنا له لناصحون ) معترضة بين جملتي ( ما لك لا تأمنا ) وجملة ( أرسله ) . والمعنى هنا : أنهم يعملون ما فيه نفع ليوسف عليه السلام .
وجملة ( أرسله ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأن الإنكار المتقدم يثير ترقب يعقوب عليه السلام لمعرفة ما يريدون منه ليوسف عليه السلام .
و ( يرتع ) قرأه نافع وأبو جعفر ويعقوب بياء الغائب وكسر العين . وقرأه ابن كثير بنون المتكلم المشارك وكسر العين وهو على قراءتي هؤلاء الأربعة مضارع ارتعى وهو افتعال من الرعي للمبالغة فيه .
فهو حقيقة في أكل المواشي والبهائم واستعير في كلامهم للأكل الكثير لأن الناس إذا خرجوا إلى الرياض والأرياف للعب والسبق تقوى شهوة الأكل فيهم فيأكلون أكلا ذريعا فلذلك شبه أكلهم بأكل الأنعام . وإنما ذكروا ذلك لأنه يسر أباهم أن يكونوا فرحين .
وقرأه أبو عمرو وابن عامر بنون وسكون العين . وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف بياء الغائب وسكون العين وهو على قراءتي هؤلاء الستة مضارع رتع إذا أقام في خصب وسعة من الطعام . والتحقيق أن هذا مستعار من رتعت الدابة إذا أكلت في المرعى حتى شبعت . فمفاد المعنى على التأويلين واحد .
واللعب : فعل أو كلام لا يراد منه ما شأنه أن يراد بمثله نحو الجري والقفز والسبق والمراعاة نحو قول امرى القيس : .
" فظل العذارى يرتمين بشحمها يقصد منه الاستجمام ودفع السآمة . وهو مباح في الشرائع كلها إذا لم يصر دأبا . فلا وجه لتساؤل صاحب الكشاف عن استجازة يعقوب عليه السلام لهم اللعب .
والذين قرأوا ( نرتع ) بنون المشاركة قرأوا ( ونلعب ) بالنون أيضا .
وجملة ( وإنا له لحافظون ) في موضع الحال مثل ( وإنا له لناصحون ) . والتأكيد فيهما للتحقيق تنزيلا لأبيهم منزلة الشاك في أنهم يحفظونه وينصحونه كما نزلوه منزلة من لا يأمنهم عليه من حيث إنه كان لا يأذن له بالخروج معهم للرعي ونحوه .
وتقديم ( له ) في ( له لناصحون ) و ( له لحافظون ) يجوز أن يكون لأجل الرعاية للفاصلة والاهتمام بشأن يوسف عليه السلام في ظاهر الأمر ويجوز أن يكون للقصر الادعائي ؛ جعلوا أنفسهم لفرط عنايتهم به بمنزلة من لا يحفظ غيره ولا ينصح غيره .
وفي هذا القول الذي تواطأوا عليه عند أبيهم عبرة من تواطؤ أهل الغرض الواحد على التحيل لنصب الأحابيل لتحصيل غرض دنيء وكيف ابتدأوا بالاستفهام عن عدم أمنه إياهم على أخيهم وإظهار أنهم نصحاء له وحققوا ذلك بالجملة الاسمية وبحرف التوكيد ثم أظهروا أنهم ما حرصوا إلا على فائدة أخيهم وأنهم حافظون له وأكدوا ذلك أيضا .
( قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون [ 13 ] قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون [ 14 ] ) فصل جملة ( قال ) جار على طريقة المحاورة .
أظهر لهم سبب امتناعه من خروج يوسف عليه السلام معهم إلى الريف بأنه يحزنه لبعده عنه أياما وبأنه يخشى عليه الذئاب إذ كان يوسف عليه السلام حينئذ غلاما وكان قد ربي في دعة فلم يكن مرنا بمقاومة الوحوش والذئاب تجترئ على الذي تحس منه ضعفا في دفاعها . قال الربيع بن ضبع الفزاري يشكو ضعف الشيخوخة : .
والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا وقال الفرزدق يذكر ذئبا : .
فقلت له لما تكشر ضاحكا ... وقائم سيفي من يدي بمكان .
تعش فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان فذئاب بادية الشام كانت أشد خبثا من بقية الذئاب ولعلها كانت كذئاب بلاد الروس . والعرب يقولون : إن الذئب إذا حورب ودافع عن نفسه حتى عض الإنسان وأسال دمه أنه يضرى حين يرى الدم فيستأسد على الإنسان قال : .
فكنت كذئب السوء حين رأى دما ... بصاحبه يوما أحال على الدم وقد يتجمع سرب من الذئاب فتكون أشد خطرا على الواحد من الناس والصغير .
A E