وانتصب ( كلا ) على المفعولية لفعل ( نقص ) . وتقديمه على فعله للاهتمام ولما فيه من الإبهام ليأتي بيانه بعده فيكون أرسخ في ذهن السامع .
وتنوين ( كلا ) تنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف المبين بقوله ( من أنباء الرسل ) . فالتقدير : وكل نبأ عن الرسل نقصه عليك فقوله ( من أنباء الرسل ) بيان للتنوين الذي لحق ( كلا ) . و ( ما نثبت به فؤادك ) بدل من ( كلا ) .
والقصص يأتي عند قوله تعالى ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) في أول سورة يوسف .
والتثبيت : حقيقته التسكين في المكان بحيث ينتفي الاضطراب والتزلزل . وتقدم في قوله تعالى ( لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ) في سورة النساء وقوله ( فثبتوا الذين آمنوا ) في سورة الأنفال وهو هنا مستعار للتقرير كقوله ( ولكن ليطمئن قلبي ) .
والفؤاد : أطلق على الإدراك كما هو الشائع في كلام العرب .
A E وتثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم زيادة يقينه ومعلوماته بما وعده الله لأن كل ما يعاد ذكره من قصص الأنبياء وأحوال أممهم معهم يزيده تذكرا وعلما بأن حاله جار على سنن الأنبياء وازداد تذكرا بأن عاقبته النصر على أعدائه وتجدد تسلية على ما يلقاه من قومه من التكذيب وذلك يزيده صبرا . والصبر : تثبيت الفؤاد .
وأن تماثل أحوال الأمم تلقاء دعوة أنبيائها مع اختلاف العصور يزيده علما بأن مراتب العقول البشرية متفاوتة وأن قبول الهدي هو منتهى ارتقاء العقل فيعلم أن الاختلاف شنشنة قديمة في البشر وأن المصارعة بين الحق والباطل شأن قديم وهي من النواميس التي جبل عليها النظام البشري فلا يحزنه مخالفة قومه عليه ويزيده علما بسمو أتباعه الذين قبلوا هداه واعتصموا من دينه بعراه فجاءه في مثل قصة موسى عليه السلام واختلاف أهل الكتاب فيه بيان الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين فلا يقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب .
والإشارة من قوله ( في هذه ) قيل إلى السورة وروي عن ابن عباس فيقتضي أن هذه السورة كانت أوفى بأنباء الرسل من السور النازلة قبلها وبهذا يجري على قول من يقول : إنها نزلت قبل سورة يونس . والأظهر أن تكون الإشارة إلى الآية التي قبلها وهي ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلى قوله من الجنة والناس أجمعين ) . فتكون هذه الآيات الثلاث أول ما نزل في شأن النهي عن المنكر .
على أن قوله ( وجاءك في هذه الحق ) ليس صريحا في أنه لم يجيء مثله قبل هذه الآيات فتأمل .
ولعل المراد ب ( الحق ) تأمين الرسول من اختلاف أمته في كتابه بإشارة قوله ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ) المفهم أن المخاطبين ليسوا بتلك المثابة كما تقدمت الإشارة إليه آنفا .
وتعربفه إشارة إلى حق معهود للنبي ؛ إما بأن كان يتطلبه أو يسأل ربه .
والموعظة : اسم مصدر الوعظ وهو التذكير بما يصد المرء عن عمل مضر .
والذكرى : مجرد التذكير بما ينفع . فهذه موعظة للمسلمين ليحذروا ذلك وتذكيرا بأحوال الأمم ليقيسوا عليها ويتبصروا في أحوالها . وتنكير ( موعظة وذكرى ) للتعظيم .
( وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون [ 121 ] وانتظروا إنا منتظرون [ 122 ] ) عطف على جملة ( وجاءك في هذه الحق ) الآية لأنها لما اشتملت على أن في هذه القصة ذكرى للمؤمنين أمر بأن يخاطب الذين لا يؤمنون بما فيها خطاب الآيس من انتفاعهم بالذكرى الذي لا يعبأ بإعراضهم ولا يصده عن دعوته إلى الحق تألبهم على باطلهم ومقاومتهم الحق . فلا جرم كان قوله ( وقل للذين لا يؤمنون ) عديلا لقوله ( وموعظة وذكرى للمؤمنين ) . وهذا القول مأمور أن يقوله على لسانه ولسان المؤمنين .
وقوله ( اعملوا على مكانتكم إنا عاملون ) هو نظير ما حكي عن شعيب عليه السلام في هذه السورة آنفا .
وضمائر ( إنا عاملون ) و ( إنا منتظرون ) للنبي والمؤمنين الذين معه