و ( الكلمة ) هي إرادة الله الأزلية وسنته في خلقه . وهي أنه وكل الناس إلى إرشاد الرسل للدعوة إلى الله وإلى النظر في الآيات ثم إلى بذل الاجتهاد التام في إصابة الحق والسعي إلى الاتفاق ونبذ الخلاف بصرف الأفهام السديدة إلى المعاني وبالمراجعة فيما بينهم والتبصر في الحق والإنصاف في الجدل والاستدلال وأن يجعلوا الحق غايتهم والاجتهاد دأبهم وهجيراهم . وحكمة ذلك هي أن الفصل والاهتداء إلى الحق مصلحة للناس ومنفعة لهم لا لله . وتمام المصلحة في ذلك يحصل بأن يبذلوا اجتهادهم ويستعملوا أنظارهم لأن ذلك وسيلة إلى زيادة تعقلهم وتفكيرهم . وقد تقدم في قوله تعالى ( وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا ) في سورة الأنعام وقوله ( ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ) في سورة الأنفال .
ووصفها بالسبق لأنها أزلية باعتبار تعلق العلم بوقوعها وبأنها ترجع إلى سنة كلية تقررت من قبل .
ومعنى ( لقضي بينهم ) أنه قضاء استئصال المبطل واستبقاء المحق كما قضى الله بين الرسل والمكذبين ولكن إرادة الله اقتضت خلاف ذلك بالنسبة إلى فهم الأمة كتابها .
A E وضمير ( بينهم ) يعود إلى المختلفين المفاد من قوله ( فاختلف فيه ) والقرينة واضحة .
ومتعلق القضاء محذوف لظهوره أي لقضي بينهم فيما اختلفوا فيه كما قال في الآية الأخرى ( إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) .
( وإنهم لفي شك منه مريب [ 110 ] ) يجوز أن يكون عطفا على جملة ( وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ) فيكون ضمير ( وإنهم ) عائدا إلى ما عاد إليه ضمير ( ما يعبدون ) الآية أي أن المشركين لفي شك من توفية نصيبهم لأنهم لا يؤمنون بالبعث . ويلتئم مع قوله ( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ) على أول الوجهين وأولاهما فضمير ( منه ) عائد إلى ( يوم ) من قوله ( يوم يأتي لا تكلم نفس ) إلخ .
ويجوز أن تكون عطفا على جملة ( فاختلف فيه ) أي فاختلف فيه أهله أي أهل الكتاب فضمير ( وإنهم ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير ( بينهم ) على ثاني الوجهين أي اختلف أهل الكتاب في كتابهم وإنهم لفي شك .
أما ضمير ( منه ) فيجوز أن يعود إلى الكتاب أي أقدموا على ما أقدموا عليه على شك وتردد في كتابهم أي دون علم يوجب اليقين مثل استقراء علمائنا للأدلة الشرعية أو يوجب الظن القريب من اليقين كظن المجتهد فيما بلغ إليه اجتهاده لأن الاستدلال الصحيح المستنبط من الكتاب لا يعد اختلافا في الكتاب إذ الأصل متفق عليه . فمناط الذم هو الاختلاف في متن الكتاب لا في التفريع من أدلته . ويجوز أن يكون ضمير ( منه ) عائدا إلى القرآن المفهوم من المقام ومن قوله ( ذلك من أنباء القرى نقصه عليك ) .
والمريب : الموقع في الشك ووصف الشك بذلك تأكيد كقولهم : ليل أليل وشعر شاعر .
( وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير [ 111 ] ) تذييل للأخبار السابقة . والواو اعتراضية . و ( إن ) مخففة من ( إن ) الثقيلة في قراءة نافع وابن كثير وأبي بكر عن عاصم وأعملت في اسمها فانتصب بعدها . و ( إن ) المخففة إذا وقعت بعدها جملة اسمية يكثر إعمالها ويكثر إهمالها قاله الخليل وسيبويه ونحاة البصرة وهو الحق . وقرأ الباقون ( إن ) مشددة على الأصل .
وبتنوين ( كلا ) عوض عن المضاف إليه . والتقدير : وإن كلهم أي كل المذكورين آنفا من أهل القرى ومن المشركين المعرض بهم ومن المختلفين في الكتاب من أتباع موسى عليه السلام .
و ( لما ) مخففة في قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو والكسائي فاللام الداخلة على ( ما ) لام الابتداء التي تدخل على خبر ( إن ) . واللام الثانية الداخلة على ( ليوفينهم ) لام جواب القسم . و ( ما ) مزيدة للتأكيد . والفصل بين اللامين دفعا لكراهة توالي مثلين