وعبر عن عبادة الآباء بالمضارع للدلالة على استمرارهم على تلك العبادة أي إلا كما اعتاد آباؤهم عبادتهم . والقرينة على المضي قوله ( من قبل ) فكأنه قيل : إلا كما كان يعبد آباؤهم . والمضاف إليه ( قبل ) محذوف تقديره : من قبلهم تنصيصا على أنهم سلفهم في هذا الضلال وعلى أنهم اقتدوا بهم .
وجملة ( وإنا لموفوهم نصيبهم ) عطف على جملة التعليل والمعطوف هو المعلول وقد تسلط عليه معنى كاف التشبيه لذلك . فالمعنى : وإنا لموفوهم نصيبهم من العذاب كما وفينا أسلافهم .
والتوفية : إكمال الشيء غير منقوص .
A E والنصيب : أصله الحظ . وقد استعمل ( موفوهم ) و ( نصيبهم ) هنا استعمالا تهكميا كأن لهم عطاء يسألونه فوفوه فوقع قوله ( غير منقوص ) حالا مؤكدة لتحقيق التوفية زيادة في التهكم لأن من إكرام الموعود بالعطاء أن يؤكد له الوعد ويسمى ذلك بالبشارة .
والمراد نصيبهم من عذاب الآخرة فإن الله لم يستأصلهم كما استأصل الأمم السابقة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال : " لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده " .
( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ) اعتراض لتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتسليته بأن أهل الكتاب وهم أحسن حالا من أهل الشرك قد أوتوا الكتاب فاختلفوا فيه وهم أهل ملة واحدة فلا تأس من اختلاف قومك عليك فالجملة عطف على جملة ( فلا تك في مرية ) .
ولأجل ما فيها من معنى التثبيت فرع عليها قوله ( فاستقم كما أمرت ) .
وقوله ( فاختلف فيه ) أي في الكتاب وهو التوراة . ومعنى الاختلاف فيه اختلاف أهل التوراة في تقرير بعضها وإبطال بعض وفي إظهار بعضها وإخفاء بعض مثل حكم الرجم وفي تأويل البعض على هواهم وفي إلحاق أشياء بالكتاب على أنها منه كما قال تعالى ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) . فهذا من شأنه أن يقع من بعضهم لا من جميعهم فيقتضي الاختلاف بينهم بين مثبت وناف وهذا الاختلاف بأنواعه وأحواله يرجع إلى الاختلاف في شيء من الكتاب . فجمعت هذه المعاني جمعا بديعا في تعدية الاختلاف بحرف ( في ) الدالة على الظرفية المجازية وهي كالملابسة أي فاختلف اختلافا يلابسه أي يلابس الكتاب .
ولأن الغرض لم يكن متعلقا ببيان المختلفين ولا بذمهم لأن منهم المذموم وهم الذين أقدموا على إدخال الاختلاف ومنهم المحمود وهم المنكرون على المبدلين كما قال تعالى ( منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) وسيجيء قوله ( وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم ) بل كان للتحذير من الوقوع في مثله .
بني فعل ( اختلف ) للمجهول إذ لا غرض إلا في ذكر الفعل لا في فاعله .
( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ) يجوز أن يكون عطفا على جملة ( وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ) ويكون الاعتراض تم عند قوله ( فاختلف فيه ) وعليه فضمير ( بينهم ) عائد إلى اسم الإشارة من قوله ( مما يعبد هؤلاء ) أي ولولا ما سبق من حكمة الله أن يؤخر عنهم العذاب لقضي بينهم أي لقضى الله بينهم فأهلك المشركين والمخالفين ونصر المؤمنين .
فيكون ( بينهم ) هو نائب فاعل ( قضي ) . والتقدير : لوقع العذاب بينهم أي فيهم .
ويجوز أن يكون عطفا على جملة ( فاختلف فيه ) فيكون ضمير ( بينهم ) عائدا إلى ما يفهم من قوله ( فاختلف فيه ) لأنه يقتضي جماعة مختلفين في أحكام الكتاب ويكون ( بينهم ) متعلقا ب ( قضي ) أي لحكم بينهم بإظهار المصيب من المخطئ في أحكام الكتاب فيكون تحذيرا من الاختلاف أي أنه إن وقع أمهل الله المختلفين فتركهم في شك . وليس من سنة الله أن يقضي بين المختلفين فيوقفهم على تمييز المحق من المبطل أي فعليكم بالحذر من الاختلاف في كتابكم فإنكم إن اختلفتم بقيتم في شك ولحقكم جزاء أعمالكم