فأضاف " أنهار " جمع نهار إلى اليوم . وروي : من أزمان يوم حليمة .
وقول توبة بن الحمير : .
كأن القلب ليلة قيل : يغدى ... بليلى الأخيلية أو يراح أراد ساعة قيل : يغدى بليلى ولذلك قال : يغدى أو يراح فلم يراقب ما يناسب لفظ ليلة من الرواح .
فقوله تعالى ( يوم يأتي ) معناه حين يأتي . وضمير ( يأتي ) عائد إلى ( يوم مشهود ) وهو يوم القيامة . والمراد بإتيانه وقوعه وحلوله كقوله ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الساعة ) .
فقوله ( يوم يأتي ) ظرف متعلق بقوله ( لا تكلم نفس إلا بإذنه ) .
A E وجملة ( لا تكلم نفس ) مستأنفة ابتدائية . قدم الظرف على فعلها للغرض المتقدم . والتقدير : لا تكلم نفس حين يحل اليوم المشهود . والضمير في ( بإذنه ) عائد إلى الله تعالى المفهوم من المقام ومن ضمير ( نؤخره ) . والمعنى أنه لا يتكلم أحد إلا بإذن من الله كقوله ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) . والمقصود من هذا إبطال اعتقاد أهل الجاهلية أن الأصنام لها حق الشفاعة عند الله .
و ( نفس ) يعم جميع النفوس لوقوعه في سياق النفي فشمل النفوس البرة والفاجرة وشمل كلام الشافع وكلام المجادل عن نفسه . وفصل عموم النفوس باختلاف أحوالهما . وهذا التفصيل مفيد تفصيل الناس في قوله ( مجموع له الناس ) ولكنه جاء على هذا النسج لأجل ما تخلل ذلك من شبه الاعتراض بقوله ( وما نؤخره إلا لأجل معدود ) إلى قوله ( بإذنه ) وذلك نسيج بديع .
والشقي : فعيل صفة مشبهة من شقي إذا تلبس بالشقاء والشقاوة أي سوء الحالة وشرها وما ينافر طبع المتصف بها .
والسعيد : ضد الشقي وهو المتلبس بالسعادة التي هي الأحوال الحسنة الخيرة الملائمة للمتصف بها . والمعنى : فمنهم يومئذ من هو في عذاب وشدة ومنهم من هو في نعمة ورخاء .
والشقاوة والسعادة من المواهي المقولة بالتشكيك فكلتاهما مراتب كثيرة متفاوتة في قوة الوصف . وهذا إجمال تفصيله ( فأما الذين شقوا ) إلى آخره .
والزفير : إخراج الأنفاس بدفع وشدة بسبب ضغط التنفس . والشهيق : عكسه وهو اجتلاب الهواء إلى الصدر بشدة لقوة الاحتياج إلى التنفس .
وخص بالذكر من أحوالهم في جهنم الزفير والشهيق تنفيرا من أسباب المصير إلى النار لما في ذكر هاتين الحالتين من التشويه بهم وذلك أخوف لهم من الألم .
ومعنى ( ما دامت السماوات والأرض ) التأييد لأنه جرى مجرى المثل وإلا فإن السماوات والأرض المعروفة تضمحل يومئذ قال تعالى ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) أو يراد سماوات الآخرة وأرضها .
و ( إلا ما شاء ربك ) استثناء من الأزمان التي عمها الظرف في قوله ( ما دامت ) أي إلا الأزمان التي شاء الله فيها عدم خلودهم ويستتبع ذلك استثناء بعض الخالدين تبعا للأزمان . وهذا بناء على غالب إطلاق ( ما ) الموصولة أنها لغير العاقل . ويجوز أن يكون استثناء من ضمير ( خالدين ) لأن ( ما ) تطلق على العاقل كثيرا كقوله ( ما طاب لكم من النساء ) . وقد تكرر هذا الاستثناء في الآية مرتين .
فأما الأول منهما فالمقصود أن أهل النار مراتب في طول المدة فمنهم من يعذب ثم يعفى عنه مثل أهل المعاصي من الموحدين كما جاء في الحديث : أنهم يقال لهم الجهنميون في الجنة ومنهم الخالدون وهم المشركون والكفار .
وجملة ( إن ربك فعال لما يريد ) استئناف بياني ناشئ عن الاستثناء لأن إجمال المستثنى ينشئ سؤالا في نفس السامع أن يقول : ما هو تعيين المستثنى أو لماذا لم يكن الخلود عاما . وهذا مظهر من مظاهر التفويض إلى الله .
وأما الاستثناء الثاني الواقع في جانب ( الذين سعدوا ) فيحتمل معنيين : أحدهما أن يراد : إلا ما شاء ربك في أول أزمنة القيامة وهي المدة التي يدخل فيها عصاة المؤمنين غير التائبين في العذاب إلى أن يعفو الله عنهم بفضله بدون شفاعة أو بشفاعة كما في الصحيح من حديث أنس : " يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحممة أخرجوا وأدخلوا الجنة فيقال : هؤلاء الجهنميون " .
ويحتمل أن يقصد منه التحذير من توهم استحقاق أحد ذلك النعيم حقا على الله بل هو مظهر من مظاهر الفضل والرحمة