وجعل عذاب الدنيا آية دالة على عذاب الآخرة لأن القرى الظالمة توعدها الله بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة كما في قوله تعالى ( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ) فلما عاينوا عذاب الدنيا كان تحققه أمارة على تحقق العذاب الآخر .
وجملة ( ذلك يوم مجموع له الناس ) معترضة للتنويه بشأن هذا اليوم حتى أن المتكلم يبتدئ كلاما لأجل وصفه .
والإشارة ب ( ذلك ) إلى الآخرة لأن ما صدقها يوم القيامة فتذكير اسم الإشارة مراعاة لمعنى الآخرة .
A E واللام في ( مجموع له ) لام العلة أي مجموع الناس لأجله .
ومجيء الخبر جملة اسمية في الإخبار عن اليوم يدل على معنى الثبات أي ثابت جمع الله الناس لأجل ذلك اليوم فيدل على تمكن تعلق الجمع بالناس وتمكن كون ذلك الجمع لأجل اليوم حتى لقب ذلك اليوم يوم الجمع في قوله تعالى ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ) .
وعطف جملة ( وذلك يوم مشهود ) على جملة ( ذلك يوم مجموع له الناس ) لزيادة التهويل لليوم بأنه يشهد . وطوي ذكر الفاعل إذ المراد يشهده الشاهدون إذ ليس القصد إلى شاهدين معينين . والإخبار عنه بهذا يؤذن بأنهم يشهدونه شهودا خاصا وهو شهود الشيء المهول إذ من المعلوم أن لا يقصد الإخبار عنه بمجرد كونه مرئيا لكن المراد كونه مرئيا رؤية خاصة .
ويجوز أن يكون المشهود بمعنى المحقق أي مشهود بوقوعه كما يقال : حق مشهود أي عليه شهود لا يستطاع إنكاره واضح للعيان .
ويجوز أن يكون المشهود بمعنى كثير الشاهدين إياه لشهرته كقولهم : لفلان مجلس مشهود كقول أم قيس الضبية : .
ومشهد قد كفيت الناطقين به ... في محفل من نواصي الخيل مشهود فيكون من نحو قوله تعالى ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا ) الآية .
وجملة ( وما نؤخره إلا لأجل معدود ) معترضة بين جملة ( ذلك يوم مجموع له الناس ) وبين جملة ( يوم يأتي لا تكلم نفس ) الخ . والمقصود الرد على المنكرين للبعث مستدلين بتأخير وقوعه في حين تكذيبهم به يحسبون أن تكذيبهم به يغيظ الله تعالى فيعجله لهم جهلا منهم بمقام الإلهية فبين الله لهم أن تأخيره إلى أجل حدده الله له من يوم خلق العالم كما حدد آجال الأحياء فيكون هذا كقوله تعالى ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ) .
والأجل : أصله المدة المنظر إليها في أمر ويطلق أيضا على نهاية تلك المدة وهو المراد هنا بقرينة اللام كما أريد في قوله تعالى ( فإذا جاء أجلهم ) .
والمعدود : أصله المحسوب وأطلق هنا كناية عن المعين المضبوط بحيث لا يتأخر ولا يتقدم لأن المعدود يلزمه التعين أو كناية عن القرب .
( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد [ 105 ] فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق [ 106 ] خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد [ 107 ] وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ [ 108 ] ) جملة ( يوم يأتي لا تكلم نفس ) تفصيل لمدلول جملة ( ذلك يوم مجموع له الناس ) الآية وبينت عظمة ذلك اليوم في الشر والخير تبعا لذلك التفصيل . فالمقصد الأول من هذه الجملة هو قوله ( فمنهم شقي وسعيد ) وما بعده وأما ما قبله فتمهيد له أفصح عن عظمة ذلك اليوم . وقد جاء نظم الكلام على تقديم وتأخير اقتضاه وضع الاستطراد بتعظيم هول اليوم في موضع الكلام المتصل لأنه أسعد بتناسب أغراض الكلام والظروف صالحة لاتصال الكلام كصلاحية الحروف العاطفة وأدوات الشرط .
و ( يوم ) من قوله ( يوم يأتي ) مستعمل في معنى " حين " أو " ساعة " وهو استعمال شائع في الكلام العربي في لفظ ( يوم ) و " ليلة " توسعا بإطلاقهما على جزء من زمانهما إذ لا يخلو الزمان من أن يقع في نهار أو في ليل فذلك يوم أو ليلة فإذا أطلقا هذا الإطلاق لم يستفد منهما إلا معنى " حين " دون تقدير بمدة ولا بنهار ولا ليل ألا ترى قول النابغة : .
" تخيرن من أنهار يوم حليمة