عطف نداء على نداء زيادة في التنبيه والمقصود عطف ما بعد النداء الثاني على ما بعد النداء الأول .
وجملة ( اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون ) تقدم تفسير نظيرها في سورة الأنعام .
والأمر للتهديد . والمعنى : اعملوا متمكنين من مكانتكم أي حالكم التي أنتم عليها أي اعملوا ما تحبون أن تعملوه بي .
A E وجملة ( إني عامل ) مستأنفة . ولم يقرن حرف ( سوف ) في هذه الآية بالفاء وقرن في آية سورة الأنعام بالفاء ؛ فجملة ( سوف تعلمون ) هنا جعلت مستأنفة استئنافا بيانيا إذ لما فاتحهم بالتهديد كان ذلك ينشئ سؤالا في نفوسهم عما ينشأ على هذا التهديد فيجاب بالتهديد ب ( سوف تعلمون ) . ولكونه كذلك كان مساويا للتفريع بالفاء الواقع في آية الأنعام في المآل ولكنه أبلغ في الدلالة على نشأة مضمون الجملة المستأنفة عن مضمون التي قبلها ؛ ففي خطاب شعيب عليه السلام قومه من الشدة ما ليس في الخطاب المأمور به النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الأنعام جريا على ما أرسل الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من اللين لهم ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) . وكذلك التفاوت بين معمولي ( تعلمون ) فهو هنا غليظ شديد ( من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب ) وهو هنالك لين ( من تكون له عاقبة الدار ) .
و ( من ) استفهام معلق لفعل العلم عن العمل أي تعلمون جواب هذا السؤال . والعذاب : خزي لأنه إهانة .
والارتقاب : الترقب وهو افتعال من رقبه إذا انتظره .
والرقيب هنا فعيل بمعنى فاعل أي أني معكم راقب أي كل يرتقب ما يجازيه الله به إن كان كاذبا أو مكذبا .
( ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين [ 94 ] كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود [ 95 ] ) عطف ( لما جاء أمرنا ) هنا وفي قوله في قصة عاد ( ولما جاء أمرنا نجينا هودا ) بالواو فيهما وعطف نظيراهما في قصة ثمود ( فلما جاء أمرنا نجينا صالحا ) وفي قصة قوم لوط ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها ) لأن قصتي ثمود وقوم لوط كان فيهما تعيين أجل العذاب الذي توعد به النبيان قومهما ؛ ففي قصة ثمود ( فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ) وفي قصة قوم لوط ( إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ) ؛ فكان المقام مقتضيا ترقب السامع لما حل بهم عند ذلك الموعد فكان الموقع للفاء لتفريع ما حل بهم على الوعيد به . وليس في قصة عاد وقصة مدين تعيين لموعد العذاب ولكن الوعيد فيهما مجمل من قوله ( ويستخلف ربي قوما غيركم ) وقوله ( وارتقبوا إني معكم رقيب ) .
وتقدم القول في معنى ( جاء أمرنا ) إلى قوله ( ألا بعدا لمدين ) في قصة ثمود . وتقدم الكلام على ( بعدا ) في قصة نوح في قوله ( وقيل بعدا للقوم الظالمين ) .
وأما قوله ( كما بعدت ثمود ) فهو تشبيه البعد الذي هو انقراض مدين بانقراض ثمود . ووجه الشبه التماثل في سبب عقابهم بالاستئصال وهو عذاب الصيحة ويجوز أن يكون المقصود من التشبيه الاستطراد بذم ثمود لأنهم كانوا أشد جرأة في مناواة رسل الله فلما تهيأ المقام لاختتام الكلام في قصص الأمم البائدة ناسب أن يعاد ذكر أشدها كفرا وعنادا فشبه هلك مدين يهلكهم .
والاستطراد فن من البديع . ومنه قول حسان في الاستطراد بالهجاء بالحارث أخي أبي جهل : .
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام .
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين [ 96 ] إلى فرعون وملإه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد [ 97 ] ) عطف قصة على قصة . وعقبت قصة مدين بذكر بعثة موسى عليه السلام لقرب ما بين زمنيهما ولشدة الصلة بين النبيين فإن موسى بعث في حياة شعيب عليهما السلام وقد تزوج ابنة شعيب .
وتأكيد الخبر ب ( قد ) مثل تأكيد خبر نوح عليه السلام في قوله تعالى ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه )