والرجم : القتل بالحجارة رميا وهو قتلة حقارة وخزي . وفيه دلالة على أن حكم من يخلع دينه الرجم في عوائدهم .
وجملة ( وما أنت علينا بعزيز ) مؤكدة لمضمون ( ولولا رهطك لرجمناك ) لأنه إذا انتفى كونه قويا في نفوسهم تعين أن كفهم عن رجمه مع استحقاقه إياه في اعتقادهم ما كان إلا لأجل إكرامهم رهطه لا للخوف منهم .
وإنما عطفت هذه الجملة على التي قبلها مع أن حق الجملة المؤكدة أن تفصل ولا تعطف لأنها مع إفادتها تأكيد مضمون التي قبلها قد أفادت أيضا حكما يخص المخاطب فكانت بهذا الاعتبار جديرة بأن تعطف على الجمل المفيدة أحواله مثل جملة ( ما نفقه كثيرا مما تقول ) والجمل بعدها .
A E والعزة : القوة والشدة والغلبة . والعزيز : وصف منه وتعديته بحرف ( على ) لما فيه من معنى الشدة والوقع على النفس كقوله تعالى ( عزيز عليه ما عنتم ) أي شديد على نفسه فمعنى ( وما أنت علينا بعزيز ) أنك لا يعجزنا قتلك ولا يشتد على نفوسنا أي لأنك هين علينا ومحقر عندنا وليس لك من ينصرك منا . وعزة المرء على قبيلة لا تكون غلبة ذاته إذ لا يغلب واحد جماعة وإنما عزته بقومه وقبيلته كما قال الأعشى : .
" وإنما العزة للكاثر فمعنى ( وما أنت علينا بعزيز ) أنك لا تستطيع غلبتنا .
وقصدهم من هذا الكلام تحذيره من الاستمرار على مخالفة رهطه بأنهم يوشك أن يخلعوه ويبيحوا لهم رجمه . وهذه معان جد دقيقة وإيجاز جد بديع .
وليس تقديم المسند إليه على المسند في قوله ( وما أنت علينا بعزيز ) بمفيد تخصيصا ولا تقويا .
( قال يقوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط [ 92 ] ) لما أرادوا بالكلام الذي وجهوه إليه تحذيره من الاستمرار على مخالفة دينهم أجابهم بما يفيد أنه لم يكن قط معولا على عزة رهطه ولكنه متوكل على الله الذي هو أعز من كل عزيز فالمقصود من الخبر لازمه وهو أنه يعلم مضمون هذا الخبر وليس غافلا عنه أي لقد علمت ما رهطي أغلب لكم من الله فلا أحتاج إلى أن تعاملوني بأني غير عزيز عليكم ولا بأن قرابتي فئة قليلة لا تعجزكم لو شئتم رجمي .
وإعادة النداء للتنبيه لكلامه وأنه متبصر فيه . والاستفهام إنكاري أي الله أعز من رهطي وهو كناية عن اعتزازه بالله لا برهطه فلا يريبه عدم عزة رهطه عليهم وهذا تهديد لهم بأن الله ناصره لأنه أرسله فعزته بعزة مرسله .
وجملة ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) في موضع الحال من اسم الجلالة أي الله أعز في حال أنكم نسيتم ذلك . والاتخاذ : الجعل وتقدم في قوله ( أتتخذ أصناما آلهة ) في سورة الأنعام .
والظهري بكسر الظاء نسبة إلى الظهر على غير قياس والتغييرات في الكلم لأجل النسبة كثيرة . والمراد بالظهري الكناية عن النسيان أو الاستعارة لأن الشيء الموضوع بالوراء ينسى لقلة مشاهدته فهو يشبه الشيء المجعول خلف الظهر في ذلك فوقع ( ظهريا ) حالا مؤكدة للظرف في قوله ( وراءكم ) إغراقا في معنى النسيان لأنهم اشتغلوا بالأصنام عن معرفة الله أو عن ملاحظة صفاته .
وجملة ( إن ربي بما تعملون محيط ) استئناف أو تعليل لمفهوم جملة ( أرهطي أعز عليكم من الله ) الذي هو توكله عليه واستنصاره به .
والمحيط : الموصوف بأنه فاعل الإحاطة . وأصل الإحاطة : حصار شيء شيئا من جميع جهاته مثل إحاطة الظرف بالمظروف والسور بالبلدة والسوار بالمعصم . وفي المقامات الحريرية : " وقد أحاطت به أخلاط الزمر إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر " . ويطلق مجازا في قولهم : أحاط علمه بكذا وأحاط بكل شيء علما بمعنى علم كل ما يتضمن أن يعلم في ذلك ثم شاع ذلك فحذف التمييز وأسندت الإحاطة إلى العالم بمعنى إحاطة علمه أي شمول علمه لجميع ما يعلم في غرض ما قال تعالى ( وأحاط بما لديهم ) أي علمه . ومنه قوله هنا ( إن ربي بما تعملون محيط ) والمراد إحاطة علمه . وهذا تعريض بالتهديد وأن الله يوشك أن يعاقبهم على ما علمه من أعمالهم .
( ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب [ 93 ] )