والمراد بالبعد بعد الزمن والمكان والنسب فزمن لوط عليه السلام غير بعيد في زمن شعيب عليه السلام والديار قريبة من ديارهم إذ منازل مدين عند عقبة أيلة مجاورة معان مما يلي الحجاز وديار قوم لوط بناحية الأردن إلى البحر الميت وكان مدين بن إبراهيم عليهما السلام وهو جد القبيلة المسماة باسمه متزوجا بابنة لوط .
وجملة ( واستغفروا ربكم ) عطف على جملة ( لا يجرمنكم شقاقي ) .
وجملة ( إن ربي رحيم ودود ) تعليل للأمر باستغفاره والتوبة إليه وهو تعليل لما يقتضيه الأمر من رجاء العفو عنهم إذا استغفروا وتابوا .
وتفنن في إضافة الرب إلى ضمير نفسه مرة وإلى ضمير قومه أخرى لتذكيرهم بأنه ربهم كيلا يستمروا على الإعراض وللتشرف بانتسابه إلى مخلوقيته .
والرحيم تقدم .
والودود : مثال مبالغة من الود وهو المحبة . وقد تقدم عند قوله تعالى ( ودوا لو تكفرون كما كفروا ) في سورة النساء . والمعنى : أن الله شديد المحبة لمن يتقرب إليه بالتوبة .
A E ( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمنك وما أنت علينا بعزيز [ 91 ] ) الفقه : الفهم . وتقدم عند قوله تعالى ( فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ) في سورة النساء وقوله ( انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ) في سورة الأنعام .
ومرادهم من هذا يحتمل أن يكون قصد المباهتة كما حكى الله عن المشركين ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ) وقوله عن إليهود ( وقالوا قلوبنا غلف ) . ويجوز أن يكون المراد ما نتعقله لأنه عندهم كالمحال لمخالفته ما يألفون كما حكى الله عن غيرهم بقوله ( أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ) وليس المراد عدم فهم كلامه لأن شعيبا عليه السلام كان مقوالا فصيحا ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه خطيب الأنبياء .
فالمعنى : أنك تقول ما لا نصدق به . وهذا مقدمة لإدانته واستحقاقه الذم والعقاب عندهم في قولهم ( ولولا رهطك لرجمناك ) ولذلك عطفوا عليه ( وإنا لنراك فينا ضعيفا ) أي وإنك فينا لضعيف أي غير ذي قوة ولا منعة . فالمراد الضعف عن المدافعة إذا راموا أذاه وذلك مما يرى لأنه ترى دلائله وسماته .
وذكر فعل الرؤية هنا للتحقيق كما تقدم في قوله تعالى ( ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ) بحيث نزلوه منزلة من يظنون أنهم لا يرون ذلك بأبصارهم فصرحوا بفعل الرؤية . وأكدوه ب ( إن ) ولام الابتداء مبالغة في تنزيله منزلة من يجهل أنهم يعلمون ذلك فيه أو من ينكر ذلك . وفي هذا التنزيل تعريض بغباوته كما في قول حجل بن نضلة : .
" إن بني عمك فيهم رماح ومن فساد التفاسير تفسير الضعيف بفاقد البصر وأنه لغة حميرية فركبوا منه أن شعيبا عليه السلام كان أعمى وتطرقوا من ذلك إلى فرض مسألة جواز العمى على الأنبياء وهو بناء على أوهام . ولم يعرف من الأثر ولا من كتب الأولين ما فيه أن شعيبا عليه السلام كان أعمى .
وعطفوا على هذا قولهم ( ولولا رهطك لرجمناك ) وهو المقصود مما مهد إليه من المقدمات أي لا يصدنا عن رجمك شيء إلا مكان رهطك فينا لأنك أوجبت رجمك بطعنك في ديننا .
والرهط إذا أضيف إلى رجل أريد به القرابة الأدنون لأنهم لا يكونون كثيرا فأطلقوا عليهم لفظ الرهط الذي أصله الطائفة القليلة من الثلاثة إلى العشرة ولم يقولوا قومك لأن قومه قد نبذوه . وكان رهط شعيب عليه السلام من خاصة أهل دين قومه فلذلك وقروهم بكف الأذى عن قريبهم لأنهم يكرهون ما يؤذيه لقرابته . ولولا ذلك لما نصره رهطه لأنهم لا ينصرون من سخطه أهل دينهم . على أن قرابته ما هم إلا عدد قليل لا يخشى بأسهم ولكن الإبقاء عليه مجرد كرامة لقرابته لأنهم من المخلصين لدينهم .
فالخبر المحذوف بعد ( لولا ) يقدر بما يدل على معنى الكرامة بقرينة قولهم ( وما أنت علينا بعزيز ) وقوله ( أرهطي أعز عليكم من الله ) فلما نفوا أن يكون عزيزا وإنما عزة الرجل بحماته تعين أن وجود رهطه المانع من رجمه وجود خاص وهو وجود التكريم والتوقير فالتقدير : ولولا رهطك مكرمون عندنا لرجمناك