قالوا البقية والهندي يحصدهم ... ولا بقية إلا الثار وانكشفوا وقال مسور بن زيادة الحارثي : .
أذكر بالبقيا على من أصابني ... وبقياي أني جاهد غير مؤتلي A E والمعنى إبقاء الله عليكم ونجاتكم من عذاب الاستئصال خيرلكم من هذه الأعراض العاجلة السيئة العاقبة فيكون تعريضا بوعيد الاستئصال . وكل هذه المعاني صالحة هنا . ولعل كلام شعيب عليه السلام قد اشتمل على جميعها فحكاه القرآن بهذه الكلمة الجامعة .
وإضافة ( بقية ) إلى اسم الجلالة على المعاني كلها جمعا وتفريقا إضافة تشريف وتيمن . زهي إضافة على معنى اللام لأن البقية من فضله أو مما أمر به .
ومعنى ( إن كنتم مؤمنين ) إن كنتم مصدقين بما أرسلت به إليكم لأنهم لا يتركون مفاسدهم ويرتكبون ما أمروا به إلا إذا صدقوا بأن ذلك من عند الله فهنالك تكون بقية الله خيرا لهم فموقع الشرط هو كون البقية خيرا لهم أي لا تكون البقية خيرا إلا للمؤمنين .
وجاء باسم الفاعل الذي هو حقيقة في الاتصاف بالفعل في زمان الحال تقريبا لإيمانهم بإظهار الحرص على حصوله في الحال واستعجالا بإيمانهم لئلا يفجأهم العذاب فيفوت التدارك .
وجملة ( وما أنا عليكم بحفيظ ) في موضع الحال من ضمير ( اعبدوا ) ونظائره أي افعلوا ذلك باختياركم لأنه لصلاحكم ولست مكرهكم على فعله .
والحفيظ : المجبر كقوله ( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ ) وتقدم عند قوله تعالى ( وما جعلناك عليهم حفيظا ) في سورة الأنعام . والمقصود من ذلك استنزال طائرهم لئلا يشمئزوا من الأمر . وهذا استقصاء في الترغيب وحسن الجدال .
( قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد [ 87 ] ) كانت الصلاة من عماد الأديان كلها . وكان المكذبون الملحدون قد تمالؤوا في كل أمة على إنكارها والاستهزاء بفاعلها ( أتواصوا به بل هم قوم طاغون ) فلما كانت الصلاة أخص أعماله المخالفة لمعتادهم جعلوها المشيرة عليه بما بلغه إليهم من أمور مخالفة لمعتادهم بناء على التناسب بين السبب والمسبب في مخالفة المعتاد قصدا للتهكم به والسخرية عليه تكذيبا له فيما جاءهم به فإسناد الأمر إلى الصلوات غير حقيقي إذ قد علم كل العقلاء أن الأفعال لا تأمر . والمعنى أن صلاته تأمره بأنهم يتركون أي تأمره بأن يحملهم على ترك ما يعبد آباؤهم . إذ معنى كونه مأمورا بعمل غيره أنه مأمور بالسعي في ذلك بأن يأمرهم بأشياء .
و ( ما ) في قوله ( ما يعبد آباؤنا ) موصولة صادقة على المعبودات . ومعنى تركها ترك عبادتها كما يؤذن به فعل ( يعبد ) . ويجوز أن تكون ( ما ) مصدرية بتقدير : أن نترك مثل عبادة آبائنا .
وقرأ الجمهور ( أصلواتك ) بصيغة جمع صلاة . وقرأه حمزة والكسائي وحفص وخلف ( أصلاتك ) بصيغة المفرد .
و ( أو ) من قوله ( أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) لتقسيم ما يأمرهم به لأن منهم من لا يتجر فلا يطفف في الكيل والميزان فهو قسم آخر متميز عن بقية الأمة بأنه مأمور بترك التطفيف . فقوله ( أن نفعل ) عطف على ( ما يعبد آباؤنا ) أي أن نترك فعل ما نشاء في أموالنا فنكون طوع أمرك نفعل ما تأمرنا بفعله ونترك ما تأمرنا بتركه .
وبهذا تعلم أن لا داعي إلى جعل ( أو ) بمعنى واو الجمع كما درج عليه كثير من المفسرين مثل البيضاوي والكواشي وجعلوه عطفا على ( نترك ) فتوجسوا عدم استقامة المعنى كما قال الطبري . وتأوله بوجهين : أحدهما عن أهل البصرة والآخر عن أهل الكوفة أحدهما مبني على تقدير محذوف والآخر على تأويل فعل ( تأمرك ) وكلاهما تكلف . وأما الأكثر فصاروا إلى صرف ( أو ) عن متعارف معناها وقد كانوا في سعة عن ذلك . وسكت عنه كثير مثل صاحب الكشاف . وأومأ البغوي والنسفي إلى ما صرحنا به .
وجملة ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) استئناف تهكم آخر . وقد جاءت الجملة مؤكدة بحرف ( إن ) ولام القسم وبصيغة القصر في جملة ( لأنت الحليم الرشيد ) فاشتملت على أربعة مؤكدات .
والحليم زيادة في التهكم : ذو الحلم أي العقل والرشيد : الحسن التدبير في المال