A E وقد جرت على هذه القراءة نادرة لطيفة وهي ما أخبرنا شيخنا الأستاذ الجليل سالم أبو حاجب أن أبا العباس المبرد دعي عند بعض الأعيان في بغداد إلى مأدبة فلما فرغوا من الطعام غنت من وراء الستار جارية لرب المنزل ببيتين : .
وقالوا لها هذا حبيبك معرض ... فقالت : ألا إعراضا أهون الخطب .
فما هي إلا نظرة وابتسامة ... فتصطك رجلاه ويسقط للجنب فطرب كل من بالمجلس إلا أبا العباس المبرد فلم يتحرك فقال له رب المنزل : ما لك لم يطربك هذا ؟ فقالت الجارية : معذور يحسبني لحنت في أن قلت : معرض بالرفع ولم يعلم أن عبد الله بن مسعود قرأ ( وهذا بعلي شيخ ) فطرب المبرد لهذا الجواب .
وجواب الملائكة إياها بجملة ( أتعجبين من أمر الله ) إنكار لتعجبها لأنه تعجب مراد منه الاستبعاد . و ( أمر الله ) هو أمر التكوين أي أتعجبين من قدرة الله على خرق العادات . وجوابهم جار على ثقتهم بأن خبرهم حق منبي عن أمر الله .
وجملة ( رحمة الله وبركاته عليكم ) تعليل لإنكار تعجبها لأن الإنكار في قوة النفي فصار المعنى : لا عجب من أمر الله لأن إعطاءك الولد رحمة من الله وبركة فلا عجب في تعلق قدرة الله بها وأنتم أهل لتلك الرحمة والبركة فلا عجب في وقوعها عندكم .
ووجه تعليل نفي العجب بهذا أن التعجب إما أن يكون من صدور هذا من عند الله وإما أن يكون في تخصيص الله به إبراهيم عليه السلام وامرأته فكان قولهم ( رحمة الله وبركاته عليكم ) مفيدا تعليل انتفاء العجبين .
وتعريف ( البيت ) تعريف حضور وهو البيت الحاضر بينهم الذي جرى فيه هذا التحاور أي بيت إبراهيم عليه السلام . والمعنى أهل هذا البيت .
والمقصود من النداء التنويه بهم ويجوز كونه اختصاصا لزيادة بيان المراد من ضمير الخطاب .
وجملة ( إنه حميد مجيد ) تعليل لتوجه رحمته وبركاته إليهم بأن الله يحمد من يطيعه وبأنه مجيد أي عظيم الشأن لا حد لنعمه فلا يعظم عليه أن يعطيها ولدا وفي اختيار وصف الحميد من بين الأسماء الحسنى كناية عن رضى الله تعالى على إبراهيم عليه السلام وأهله .
( فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط [ 64 ] إن إبراهيم لحليم أواه منيب [ 75 ] يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود [ 76 ] ) التعريف في ( الروع ) وفي ( البشرى ) تعريف العهد الذكري وهما المذكوران آنفا فالروع : مرادف الخيفة .
وقوله ( يجادلنا ) هو جواب ( لما ) صيغ بصيغة المضارع لاستحضار الحالة العجيبة كقوله ( ويصنع الفلك ) . والمجادلة : المحاورة . وقد تقدمت في قوله ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) في سورة النساء .
وقوله ( في قوم لوط ) على تقدير مضاف أي في عقاب قوم لوط . وهذا من تعليق الحكم باسم الذات والمراد حال من أحوالها يعينه المقام كقوله ( حرمت عليكم الميتة ) أي أكلها .
والمجادلة هنا : دعاء ومناجاة سأل بها إبراهيم عليه السلام ربه العفو عن قوم لوط خشية إهلاك المؤمنين منهم .
وقد تكون المجادلة مع الملائكة . وعديت إلى ضمير الجلالة لأن المقصود من جدال الملائكة التعرض إلى أمر الله بصرف العذاب عن قوم لوط .
و ( الحليم ) الموصوف بالحلم وهو صفة تقتضي الصفح واحتمال الأذى .
و ( الأواه ) أصله الذي يكثر التأوه وهو قول : أوه . وأوه : اسم فعل نائب مناب أتوجع وهو هنا كناية عن شدة اهتمامه بهموم الناس .
( والمنيب ) من أناب إذا رجع وهو مشتق من النوب وهو النزول . والمراد التوبة من التقصير أي محاسب نفسه على ما يحذر منه .
وحقيقة الإنابة : الرجوع إلى الشيء بعد مفارقته وتركه .
وجملة ( يا إبراهيم أعرض عن هذا ) مقول محذوف دل عليه المقام وهو من بديع الإيجاز وهو وحي من الله إلى إبراهيم عليه السلام أو جواب الملائكة إبراهيم عليه السلام . فإذا كان من كلام الله فقوله ( أمر ربك ) إظهار في مقام الإضمار لإدخال الروع في ضمير السامع .
و ( أمر الله ) قضاؤه أي أمر تكوينه .
( ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب [ 77 ] ) A E