وجملة ( وامرأته قائمة فضحكت ) في موضع الحال من ضمير ( أوجس ) لأن امرأة إبراهيم عليه السلام كانت حاضرة تقدم الطعام إليهم فإن عادتهم كعادة العرب من بعدهم أن ربة المنزل تكون خادمة القوم : وفي الحديث " والعروس خادمهم " . وقال مرة بن محكان التميمي : .
يا ربة البيت قومي غير صاغرة ... ضمي إليك رجال القوم والغربا وقد اختصرت القصة هنا اختصارا بديعا لوقوعها في خلال الحوار بين الرسل وإبراهيم عليه السلام وحكاية ذلك الحوار اقتضت إتمامه بحكاية قولهم ( لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ) . وأما البشرى فقد حصلت قبل أن يخبروه بأنهم أرسلوا إلى قوم لوط كما في آية سورة الذاريات ( فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم ) . فلما اقتضى ترتيب المحاورة تقديم جملة ( قالوا لا تخف ) حكيت قصة البشرى وما تبعها من المحاورة بطريقة الحال لأن الحال تصلح للقبلية وللمقارنة وللبعدية وهي الحال المقدرة .
وإنما ضحكت امرأة إبراهيم عليه السلام من تبشير الملائكة إبراهيم عليه السلام بغلام وكان ضحكها ضحك تعجب واستبعاد . وقد وقع في التوراة في الإصحاح الثامن عشر من سفر التكوين " وقالوا له : أين سارة امرأتك ؟ فقال : ها هي في الخيمة . فقالوا : يكون لسارة امرأتك ابن وكانت سارة سامعة في باب الخيمة فضحكت سارة في باطنها قائلة : أفبالحقيقة ألد وأنا قد شخت ؟ فقال الرب : لماذا ضحكت سارة ؟ فأنكرت سارة قائلة لم أضحك لأنها خافت قال : لا بل ضحكت " .
وتفريع ( فبشرناها بإسحاق ) على جملة ( ضحكت ) باعتبار المعطوف وهو ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) لأنها ما ضحكت إلا بعد أن بشرها الملائكة بابن فلما تعجبت من ذلك بشروها بابن الابن زيادة في البشرى . والتعجيب بأن يولد لها ابن ويعيش وتعيش هي حتى يولد لابنها ابن . وذلك أدخل في العجب لأن شأن أبناء الشيوخ أن يكونوا مهزولين لا يعيشون غالبا إلا معلولين ولا يولد لهم في الأكثر ولأن شأن الشيوخ الذين يولد لهم أن لا يدركوا يفع أولادهم بله أولاد أولادهم .
ولما بشروها بذلك صرحت بتعجبها الذي كتمته بالضحك فقالت ( يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب ) فجملة ( قالت ) جواب للبشارة .
و ( يعقوب ) مبتدأ ( ومن وراء إسحاق ) خبر والجملة على هذا في محل الحال . وهذه قراءة الجمهور . وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ( يعقوب ) بفتحة وهو حينئذ عطف على ( إسحاق ) . وفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف وخطبه سهل وإن استعظمه ظاهرية النحاة كأبي حيان بقياس حرف العطف النائب هنا مناب الجار على الجار نفسه وهو قياس ضعيف إذ كون لفظ بمعنى لفظ لا يقتضي إعطاءه جميع أحكامه كما في مغنى اللبيب .
والنداء في ( يا ويلتا ) استعارة تبعية بتنزيل الويلة منزلة من يعقل حتى تنادى كأنها تقول : يا ويلتي احضر هنا فهذا موضعك .
والويلة : الحادثة الفظيعة والفضيحة . ولعلها المرة من الويل . وتستعمل في مقام التعجب يقال : يا ويلتي .
واتفق القراء على قراءة ( يا ويلتا ) بفتحة مشبعة في آخره بألف . والألف التي في آخر ( يا ويلتا ) هنا يجوز كونها عوضا عن ياء المتكلم في النداء . والأظهر أنها ألف الاستغاثة الواقعة خلفا عن لام الاستغاثة . وأصله : يا لويلة . وأكثر ما تجيء هذه الألف في التعجب بلفظ عجب نحو : يا عجبا وباسم شيء متعجب منه نحو : يا عشبا .
وكتب في المصحف بإمالة ولم يقرأ بالإمالة قال الزجاج : كتب بصورة الياء على أصل ياء المتكلم .
والاستفهام في ( أألد وأنا عجوز ) مستعمل في التعجب . وجملة ( أنا عجوز ) في موضع الحال وهي مناط التعجب .
والبعل : الزوج . وسيأتي بيانه عند تفسير قوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ) في سورة النور فانظره .
وزادت تقرير التعجب بجملة ( إن هذا لشيء عجيب ) وهي جملة مؤكدة لصيغة التعجب فلذلك فصلت عن التي قبلها لكمال الاتصال وكأنها كانت مترددة في أنهم ملائكة فلم تطمئن لتحقيق بشراهم .
وجملة ( هذا بعلي ) مركبة من مبتدأ وخبر لأن المعنى هذا المشار إليه هو بعلي أي كيف يكون له ولد وهو كما ترى . وانتصب " شيخا " على الحال من اسم الإشارة مبينة للمقصود من الإشارة .
وقرأ ابن مسعود ( وهذا بعلي شيخ ) برفع شيخ على أن ( بعلي ) بيان من ( هذا ) و ( شيخ ) خبر المبتدأ . ومعنى القراءتين واحد