والباء في ( بالبشرى ) للمصاحبة لأنهم جاءوا لأجل البشرى فهي مصاحبة لهم كمصاحبة الرسالة للمرسل بها .
وجملة ( قالوا سلاما ) في موضع البيان ل ( لبشرى ) لأن قولهم ذلك مبدأ البشرى وإن ما اعترض بينها حكاية أحوال وقد انتهى إليها في قوله ( فبشرناها بإسحاق إلى قوله إنه حميد مجيد ) .
والسلام : التحية . وتقدم في قوله ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم ) في سورة الأنعام .
و ( سلاما ) مفعول مطلق وقع بدلا من الفعل . والتقدير : سلمنا سلاما .
و ( سلام ) المرفوع مصدر مرفوع على الخبر لمبتدأ محذوف تقديره : أمري سلام أي لكم مثل " فصبر جميل " . ورفع المصدر أبلغ من نصبه لأن الرفع فيه تنامي معنى الفعل فهو أدل على الدوام والثبات . ولذلك خالف بينهما للدلالة على أن إبراهيم عليه السلام رد السلام بعبارة أحسن من عبارة الرسل زيادة في الإكرام .
قال ابن عطية : حيا الخليل بأحسن مما حيي به أي نظرا إلى الأدب الإلهي الذي علمه لنا في القرآن بقوله ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) فحكي ذلك بأوجز لفظ في العربية أداء لمعنى كلام إبراهيم عليه السلام في الكلدانية .
وقرأ الجمهور ( قال سلام ) بفتح السين وبألف بعد اللام . وقرأه حمزة والكسائي وخلف : ( قال سلم ) بكسر السين وبدون ألف بعد اللام وهو اسم المسالمة . وسميت به التحية كما سميت بمرادفه ( سلام ) فهو من باب اتحاد وزن فعال وفعل في بعض الصفات مثل : حرام وحرم وحلال وحل .
والفاء في قوله ( فما لبث ) للدلالة على التعقيب إسراعا في إكرام الضيف وتعجيل القرى سنة عربية : ظنهم إبراهيم عليه السلام ناسا فبادر إلى قراهم .
واللبث في المكان يقتضي الانتقال عنه أي فما أبطأ . و ( أن جاء ) يجوز أن يكون فاعل ( لبث ) أي فما لبث مجيئه بعجل حنيذ أي فما أبطأ مجيئه مصاحبا له أي بل عجل . ويجوز جعل فاعل ( لبث ) ضمير إبراهيم عليه السلام فيقدر جار ل ( جاء ) . والتقدير : فما لبث بأن جاء به . وانتفاء اللبث مبالغة في العجل .
والحنيذ : المشوي وهو المحنوذ . والشي أسرع من الطبخ فهو أعون على تعجيل إحضار الطعام للضيف .
و ( لا تصل إليه ) أشد في عدم الأخذ من ( لا تتناوله ) .
ويقال : نكر الشيء إذا أنكره أي كرهه .
وإنما نكرهم لأنه حسب أن إمساكهم عن الأكل لأجل التبرؤ من طعامه وإنما يكون ذلك في عادة الناس في ذلك الزمان إذا كان النازل بالبيت يضمر شرا لمضيفه لأن أكل طعام القرى كالعهد على السلامة من الأذى لأن الجزاء على الإحسان بالإحسان مركوز في الفطرة فإذا الكف أحد عن تناول الإحسان فذلك لأنه لا يريد المسالمة ولا يرضى أن يكون كفورا للإحسان .
ولذلك عقب قوله ( نكرهم ) ب ( أوجس منهم خيفة ) أي أحس في نفسه خيفة منهم وأضمر ذلك . ومصدره الإيجاس . وذلك أنه خشي أن يكونوا مضمرين شرا له أي حبسهم قطاعا وكانوا ثلاثة وكان إبراهيم عليه السلام وحده .
وجملة ( قالوا لا تخف ) مفصولة عما قبلها لأنها أشبهت الجواب لأنه لما أوجس منهم خيفة ظهر أثرها على ملامحه فكان ظهور أثرها بمنزلة قوله إني خفت منكم ولذلك أجابوا ما في نفسه بقولهم ( لا تخف ) فحكي ذلك عنهم بالطريقة التي تحكى بها المحاورات أو هو جواب كلام مقدر دل عليه قوله ( فأوجس منهم خيفة ) أي وقال لهم : إني خفت منكم كما حكي في سورة الحجر ( قال إنا منكم وجلون ) . ومن شأن الناس إذا امتنع أحد من قبول طعامهم أن يقولوا له : لعلك غادر أو عدو وقد كانوا يقولون للوافد : أحرب أم سلم .
وقولهم ( إنا أرسلنا إلى قوم لوط ) مكاشفة منهم إياه بأنهم ملائكة . والجملة استئناف مبينة لسبب مجيئهم .
والحكمة من ذلك كرامة إبراهيم عليه السلام وصدورهم عن علم منه .
وحذف متعلق ( أرسلنا ) أي بأي شيء إيجازا لظهوره من هذه القصة وغيرها .
وعبر عن الأقوام المراد عذابهم بطريق الإضافة ( قوم لوط ) إذ لم يكن لأولئك الأقوام اسم يجمعهم ولا يرجعون إلى نسب بل كانوا خليطا من فصائل عرفوا بأسماء قراهم وأشهرها سدوم كما تقدم في الأعراف .
A E