وجملة ( وإننا لفي شك ) معطوفة على جملة ( يا صالح قد كنت فينا مرجوا ) فبعد أن ذكروا يأسهم من صلاح حاله ذكروا أنهم يشكون في صدق أنه مرسل إليهم وزادوا ذلك تأكيدا بحرف التأكيد . ومن محاسن النكت هنا إثبات نون ( إن ) مع نون ضمير الجمع لأن ذلك زيادة إظهار لحرف التوكيد والإظهار ضرب من التحقيق بخلاف ما في سورة إبراهيم من قول الأمم لرسلهم ( وإنا لفي شك مما تدعوننا ) لأن الحكاية فيها عن أمم مختلفة في درجات التكذيب ولأن ما في هاته الآية خطاب واحد فكان ( تدعونا ) بنون واحدة هي نون المتكلم ومعه غيره فلم يقع في الجملة أكثر من ثلاث نونات بخلاف ما في سورة إبراهيم لأن الحكاية هنالك عن جمع من الرسل في ( تدعوننا ) فلو جاء ( إننا ) لاجتمع أربع نونات .
والمريب : اسم فاعل من أراب إذا أوقع في الريب . يقال : رابه وأرابه بمعنى . ووصف الشك بذلك تأكيد كقولهم : جد جده .
( قال يا قوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربي وآتني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير [ 63 ] ) جواب عن كلامهم فلذلك لم تعطف جملة ( قال ) وهو الشأن في حكاية المحاورات كما تقدم غير مرة .
وابتداء الجواب بالنداء لقصد التنبيه إلى ما سيقوله اهتماما بشأنه .
وخاطبهم بوصف القومية له للغرض الذي تقدم في قصة نوح .
والكلام على قوله ( أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة ) كالكلام على نظيرها في قصة نوح .
وإنما يتجه هنا أن يسأل عن موجب تقديم ( منه ) على ( رحمة ) هنا وتأخير ( من عنده ) عن ( رحمة ) في قصة نوح السابقة .
فالجواب لأن ذلك مع ما فيه من التفنن بعدم التزام طريقة واحدة في إعادة الكلام المتماثل هو أيضا أسعد بالبيان في وضوح الدلالة ودفع اللبس . فلما كان مجرور ( من ) الابتدائية ظرفا وهو ( عند ) كان صريحا في وصف الرحمة بصفة تدل على الاعتناء الرباني بها وبمن أوتيها . ولما كان المجرور هنا ضمير الجلالة كان الأحسن أن يقع عقب فعل ( آتاني ) ليكون تقييد الإيتاء بأنه من الله مشير إلى إيتاء خاص ذي عناية بالمؤتى إذ لولا ذلك لكان كونه من الله تحصيلا لما أفيد من إسناد الإيتاء إليه فتعين أن يكون المراد إيتاء خاصا ولو أوقع ( منه ) عقب ( رحمة ) لتوهم السامع أن ذلك عوض عن الإضافة أي عن أن يقال : وآتاني رحمته كقوله ( ولنجعله آية للناس ورحمة منا ) أي ورحمتنا لهم أي لنعظهم ونرحمهم .
وجملة ( فمن ينصرني من الله ) جواب الشرط وهو ( إن كنت على بينة ) .
والمعنى إلزام وجدل أي إن كنتم تنكرون نبوءتي وتوبخونني على دعوتكم فأنا مؤمن بأني على بينة من ربي أفترون أني أعدل عن يقيني إلى شككم وكيف تتوقعون مني ذلك وأنتم تعلمون أن يقيني بذلك يجعلني خائفا من عذاب الله إن عصيته ولا أحد ينصرني .
والكلام على قوله ( من ينصرني من الله إن عصيته ) كالكلام على قوله ( من ينصرني من الله إن طردتهم ) في قصة نوح .
وفرع على الاستفهام الإنكاري جملة ( فما تزيدونني غير تخسير ) أي إذ كان ذلك فما دعاؤكم إياي إلا سعي في خسراني .
والمراد بالزيادة حدوث حال لم يكن موجودا لأن ذلك زيادة في أحوال الإنسان أي فما يحدث لي إن اتبعتكم وعصيت الله إلا الخسران كقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام ( فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) أي كنت أدعوهم وهم يسمعون فلما كررت دعوتهم زادوا على ما كانوا عليه ففروا وليس المعنى أنهم كانوا يفرون فزادوا في الفرار لأنه لو كان كذلك لقيل هنالك : فلم يزدهم دعائي إلا من فرار ولقيل هنا : فما تزيدونني إلا من تخسير .
والتخسير مصدر خسر إذا جعله خاسرا .
( ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب [ 64 ] فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب [ 65 ] ) هذا جواب عن قولهم ( وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ) فأتاهم بمعجزة تزيل الشك .
وإعادة ( ويا قوم ) لمثل الغرض المتقدم في قوله في قصة نوح ( ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم ) .
والإشارة بهذه إلى الناقة حين شاهدوا انفلاق الصخرة عنها