ومعظم المفسرين جعلوا ضمير ( به ) عائدا إلى ( بعض ما يوحى إليك ) . على أن ما يوحى إليه سبب لضيق صدره أي لا يضيق له صدرك وجعلوا ( أن يقولوا ) مجرورا بلام التعليل مقدرة . وعليه فالمضارع في قوله ( أن يقولوا ) بمعنى المضي لأنهم قالوا ذلك . واللام متعلقة ب ( ضائق ) وليس المعنى عليه بالمتين .
و ( لولا ) : للتحضيض . والكنز : المال المكنوز أي المخبوء .
وإنزاله : إتيانه من مكان عال أي من السماء .
وهذا القول صدر من المشركين قبل نزول هذه الآية فلذلك فالفعل المضارع مراد به تجدد هذا القول وتكرره منهم بقرينة العلم بأنه صدر منهم في الماضي وبقرينة التحذير من أن يكون ذلك سببا في ضيق صدره لأن التحذير إنما يتعلق بالمستقبل .
ومرادهم ب ( جاء معه ملك ) أن يجيء ملك من الملائكة شاهدا برسالته وهذا من جهلهم بحقائق الأمور وتوهمهم أن الله يعبأ بإعراضهم ويتنازل لإجابة مقترح عنادهم ومن قصورهم عن فهم المعجزات الإلهية ومدى التأييد الرباني .
وجملة ( إنما أنت نذير ) في موقع العلة للتحذير من تركه بعض ما يوحى إليه وضيق صدره من مقالتهم . فكأنه قيل لا تترك إبلاغهم بعض ما يوحى إليك ولا يضق صدرك من مقالهم لأنك نذير لا وكيل على تحصيل إيمانهم حتى يترتب على يأسك من إيمانهم ترك دعوتهم .
والقصر المستفاد من ( إنما ) قصر إضافي أي أنت نذير لا موكل بإيقاع الإيمان في قلوبهم إذ ليس ذلك إليك بل هو الله كما دل عليه قوله قبله ( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك ) فهو قصر قلب . وفيه تعريض بالمشركين برد اعتقادهم أن الرسول يأتي بما يسأل عنه من الخوارق فإذا لم يأتهم به جعلوا ذلك سندا لتكذيبهم إياه ردا حاصلا من مستتبعات الخطاب كما تقدم عند قوله تعالى ( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ) إذ كثر في القرآن ذكر نحو هذه الجملة في مقام الرد على المشركين والكافرين الذين سألوا الإيتان بمعجزات على وفق هواهم .
وجملة ( والله على كل شيء وكيل ) تذييل لقوله ( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ) إلى هنا وهي معطوفة على جملة ( إنما أنت نذير ) لما اقتضاه القصر من إبطال أن يكون وكيلا على إلجائهم للإيمان . ومما شمله عموم ( كل شيء ) أن الله وكيل على قلوب المكذبين وهم المقصود وإنما جاء الكلام بصيغة العموم ليكون تذييلا وإتيانا للغرض بما هو كالدليل ولينتقل من ذلك العموم إلى تسلية النبي A بأن الله مطلع على مكر أولئك وأنه وكيل على جزائهم وأن الله عالم ببذل النبي جهده في التبليغ .
( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين [ 13 ] ) ( أم ) هذه منقطعة بمعنى ( بل ) التي للإضراب للانتقال من غرض إلى آخر إلا أن ( أم ) مختصة بالاستفهام فتقدر بعدها همزة الاستفهام . والتقدير : بل أيقولون افتراه . والإضراب الانتقالي في قوة الاستئناف الابتدائي فللجملة حكم الاستئناف . والمناسبة ظاهرة لأن الكلام في إبطال مزاعم المشركين فإنهم قالوا : هذا كلام مفترى وقرعهم بالحجة .
والاستفهام إنكاري .
A E والافتراء : الكذب الذي لا شبهة لصاحبه فهو الكذب عن عمد كما تقدم في قوله ( ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب ) في سورة العقود .
وجملة ( قل فأتوا ) جواب لكلامهم فلذلك فصلت على ما هو مستعمل في المحاورة سواء كانت حكاية المحاورة بصيغة حكاية القول أو كانت أمرا بالقول كما تقدم عند قوله تعالى ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ) . والضمير المستتر في ( افتراه ) عائد إلى النبي A المذكور في قوله ( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ) . وضمير الغائب البارز المنصوب عائد إلى القرآن المفهوم من قوله ( بعض ما يوحى إليك ) .
والإتيان بالشيء : جلبه سواء كان بالاسترفاد من الغير أم بالاختراع من الجالب وهذا توسعة عليهم في التحدي