ومن معاني الصبر انتظار الفرج ولذلك أوثر هنا وصف ( صبروا ) دون ( آمنوا ) لأن المراد مقابلة حالهم بحال الكفار في قوله ( إنه ليؤوس كفور ) . ودل الاستثناء على أنهم متصفون بضد صفات المستثنى منهم . وفي هذا تحذير من الوقوع فيما يماثل صفات الكافرين على اختلاف مقادير . وقد نسجت الآية على هذا المنوال من الإجمال لتذهب نفوس السامعين من المؤمنين في طرق الحذر من صفتي اليأس وكفران النعمة ومن صفتي الفرح والفخر كل مذهب ممكن .
وجملة ( أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ) مستأنفة ابتدائية . والإتيان باسم الإشارة عقب وصفهم بما دل عليه الاستثناء وبالصبر وعمل الصالحات تنبيه على أنهم استحقوا ما يذكر بعد اسم الإشارة لأجل ما ذكر قبله من الأوصاف كقوله ( أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) .
( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل [ 12 ] ) تفريع على قوله ( ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت إلى قوله يستهزئون ) من ذكر تكذيبهم وعنادهم . يشير هذا التفريع إلى أن مضمون الكلام المفرع عليه سبب لتوجيه هذا التوقع لأن من شأن المفرع عليه اليأس من ارعوائهم لتكرر التكذيب والاستهزاء يأسا قد يبعث على ترك دعائهم فذلك كله أفيد بفاء التفريع .
والتوقع المستفاد من ( لعل ) مستعمل في تحذير من شأنه التبليغ . ويجوز أن يقدر استفهام حذفت أداته . والتقدير : ألعلك تارك . ويكون الاستفهام مستعملا في النفي للتحذير وذلك نظير قوله تعالى ( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ) .
والاستفهام كناية عن بلوغ الحالة حدا يوجب توقع الأمر المستفهم عنه حتى أن المتكلم يستفهم عن حصوله . وهذا أسلوب يقصد به التحريك من همة المخاطب وإلهاب همته لدفع الفتور عنه فليس في هذا تجويز ترك النبي صلى الله عليه وسلم تبليغ بعض ما يوحى إليه وذلك البعض هو ما فيه دعوتهم إلى الإيمان وإنذارهم بالعذاب وإعلامهم بالبعث كما يدل عليه قوله تعالى في آية أخرى ( وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها ) . والمعنى تحذيره من التأثر بعنادهم وتكذيبهم واستهزائهم ويستتبع ذلك تأييس المشركين من تركه ذكر البعث والإنذار بالعذاب فالخطاب مستعمل في حقيقته ومراد منه مع ذلك علم السامعين بمضمونه .
وضائق : اسم فاعل من ضاق . وإنما عدل عن أن يقال " ضيق " هنا إلى ( ضائق ) لمراعاة النظير مع قوله ( تارك ) لأن ذلك أحسن فصاحة . ولأن ( ضائق ) لا دلالة فيه على تمكن وصف الضيق من صدره بخلاف ضيق إذ هو صفة مشبهة وهي دالة على تمكن الوصف من الموصوف وإيماء إلى أن أقصى ما يتوهم توقعه في جانبه صلى الله عليه وسلم هو ضيق قليل يعرض له .
والضيق مستعمل مجازا في الغم والأسف كما استعمل ضده وهو الانشراح في الفرح والمسرة .
و ( ضائق ) عطف على ( تارك ) فهو وفاعله جملة خبر عن ( لعلك ) فيتسلط عليه التفريع .
A E والباء في ( به ) للسببية والضمير المجرور بالباء عائد على ما بعده وهو ( أن يقولوا ) . و ( أن يقولوا ) بدل من الضمير . ومثل ذلك مستعمل في الكلام كقوله تعالى ( وأسروا النجوى الذين ظلموا ) فيكون تحذيرا من أن يضيق صدره لاقتراحهم الآيات بأن يقولوا ( لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك ) ويحصل مع ذلك التحذير من أن يضيق صدره من قولهم ( إن هذا إلا سحر مبين ) ومن قولهم : ما يحبس العذاب عنا بواسطة كون ( ضائق ) داخلا في تفريع التحذير على قوليهم السابقين . وإنما جيء بالضمير ثم أبدل منه لقصد الإجمال الذي يعقبه التفصيل ليكون أشد تمكنا في الذهن ولقصد تقديم المجرور المتعلق باسم الفاعل على فاعله تنبيها على الاهتمام بالمتعلق لأنه سبب صدور الفعل عن فاعله فجيء بالضمير المفسر فيما بعد لما في لفظ التفسير من الطول فيحصل بذكره بعد بين اسم الفاعل ومرفوعه فلذلك اختصر في ضمير يعود عليه فحصل الاهتمام وقوي الاهتمام بما يدل على تمكنه في الذهن