واللام موطئة للقسم .
والإذاقة مستعملة في إيصال الإدراك على وجه المجاز واختيرت مادة الإذاقة لما تشعر به من إدراك أمر محبوب لأن المرء لا يذوق إلا ما يشتهيه .
والرحمة أريد بها رحمة الدنيا . وأطلقت على أثرها وهو النعمة كالصحة والأمن والعافية والمراد النعمة السابقة قبل نزول الضر .
والنزع حقيقته خلع الثوب عن الجسد . واستعمل هنا في سلب النعمة على طريقة الاستعارة ولذلك عدي بحرف ( من ) دون ( عن ) لأن المعنى على السلب والافتكاك فذكر ( من ) تجريد للمجاز .
وجملة ( إنه ليؤوس كفور ) جواب القسم وجردت من الافتتاح باللام استغناء عنها بحرف التوكيد وبلام الابتداء في خبر ( إن ) . واستغني بجواب القسم عن جواب الشرط المقارن له كما هو شأن الكلام المشتمل على شرط وقسم كما تقدم في قوله ( ولئن أخرنا عنهم العذاب ) إلى آخره .
واليؤوس والكفور مثالا مبالغة في الآيس وكافر النعمة أي جاحدها والمراد بالكفور منكر نعمة الله لأنه تصدر منه أقوال وخواطر من السخط على ما انتابه كأنه لم ينعم عليه قط .
وتأكيد الجملة باللام الموطئة للقسم وبحرف التوكيد في جملة جواب القسم لقصد تحقيق مضمونها وأنه حقيقة ثابتة لا مبالغة فيها ولا تغليب .
( ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور [ 10 ] ) هذه الجملة تتميم للتي قبلها لأنها حكت حالة ضد الحالة في التي قبلها وهي جملة قسم وشرط وجواب قسم كما تقدم في نظائرها .
وضمير ( أذقناه ) المنصوب عائد إلى الإنسان فتعريفه كتعريف معاده للاستغراق بالمعنى المتقدم .
والنعماء بفتح النون وبالمد النعمة واختير هذا اللفظ هنا وإن كان لفظ النعمة أشهر لمحسن رعي النظير في زنة اللفظين النعماء والضراء . والمراد هنا النعمة الحاصلة بعد الضراء .
والمس مستعمل في مطلق الإصابة على وجه المجاز . واختيار فعل الإذاقة لما تقدم واختيار فعل المس بالنسبة إلى إدراك الضراء إيماء إلى أن إصابة الضراء أخف من إصابة النعماء وأن لطف الله شامل لعباده في كل حال .
وأكدت الجملة باللام الموطئة للقسم وبنون التوكيد في جملة جواب القسم لمثل الغرض الذي بيناه في الجملة السابقة .
وجعل جواب القسم القول للإشارة إلى أنه تبجح وتفاخر فالخبر في قوله ( ذهب السيئات عني ) مستعمل في لا ازدهاء والإعجاب وذلك هو مقتضى زيادة ( عني ) متعلقا ب ( ذهب ) للإشارة إلى اعتقاد كل واحد أنه حقيق بأن تذهب عنه السيئات غرورا منه بنفسه كما في قوله ( ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى ) .
A E وجملة ( إنه لفرح فخور ) استئناف ابتدائي للتعجيب من حاله و ( فرح وفخور ) مثالا مبالغة أي لشديد الفرح شديد الفخر . وشدة الفرح : تجاوزه الحد وهو البطر والأشر كما في قوله ( إن الله لا يحب الفرحين ) .
والفخر : تباهي المرء على غيره بما له من الأشياء المحبوبة للناس .
والمعنى أنه لا يشكر الله على النعمة بعد البأساء وما كان فيه من الضراء فلا يتفكر في وجود خالق الأسباب وناقل الأحوال والمخالف بين أسبابها . وفي معنى الآيتين قوله في سورة الشورى ( وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ) .
( إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير [ 11 ] ) احتراس باستثناء من ( الإنسان ) . والمراد بالذين صبروا المؤمنون بالله لأن الصبر من مقارنات الإيمان فكني بالذين صبروا عن المؤمنين فإن الإيمان يروض صاحبه على مفارقة الهوى ونبذ معتاد الضلالة . قال تعالى ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )