وكلمة ( فاليوم ) مستعملة في الآن لأن اسم اليوم أطلق على جزء من زمن الحال مجازا بعلاقة الكلية والجزئية .
وجملة ( وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ) تذييل لموعظة المشركين والواو اعتراضية أو واو الحال .
والمراد منه : دفع توهم النقص عن آيات الله عند ما يحرم كثير من الناس الاهتداء بها فهي في ذاتها دلائل هدى سواء انتفع بها بعض الناس أم لم ينتفعوا فالتقصير منهم .
واعلم أن هذه الآية أصرح آية في القرآن دلالة علة أن فرعون الذي أرسل إليه موسى والذي أتبع بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر قد أصابه الغرق . وقد أشارت إليه آية سورة الأعراف وآية سورة البقرة .
وفرعون هذا هو منفطاح الثاني ويقال له " ميرنبتا " بباء فارسية أو " منفتاح " أو " منيفتا " وهو ابن رعمسيس الثاني المعروف عند اليونان باسم " سيزوستريس " من ملوك العائلة التاسعة عشرة من الأسر الفرعونية وكانوا في حدود سنة 1491قبل المسيح .
قال ابن جريج : كان فرعون هذا قصيرا أحمر فلا نشك في أن منفطاح الثاني مات غريقا في البحر وأنه خرجت جثته بعد الغرق فدفن في وادي الملوك في صعيد مصر . فذكر المنقبون عن الآثار أنه وجد قبره هناك وذلك يومئ إلى قوله تعالى ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون من خلفك آية ) . ووجود قبر له إن صح بوجه محقق لا ينافي أن يكون مات غريقا وإن كان مؤرخو القبط لم يتعرضوا لصفة موته وما ذلك إلا لأن الكهنة أجمعوا على إخفائها كيلا يتطرق الشك إلى الأمة فيما يمجد به الكهنة كل فرعون من صفات بنوة الآلهة .
وخلفته في ملك مصر ابنته المسماة " طوسير " لأنه تركها وابنا صغيرا .
وقد جاء ذكر غرق فرعون في التوراة في الإصحاح الرابع عشر من سفر الخروج بعبارات مختلفة الصراحة والإغلاق .
ومن دقائق القرآن قوله تعالى ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) وهي عبارة لم يأت فيما كتب من أخبار فرعون وإنها لمن الإعجاز العلمي في القرآن إذ كانت الآية منطبقة على الواقع التاريخي . والظاهر أن الأمواج ألقت جثته على الساحل الغربي من البحر الأحمر فعثر عليه الذين خرجوا يتقصون آثاره ممن بقوا بعده بمدينة مصر لما استبطأوا رجوعه ورجوع جيشه فرفعوه إلى المدينة وكان عبرة لهم .
A E ( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) عطف على الجمل الماضية فإن جميع تلك الجمل مقصود منها موعظة الكفار من العرب بأحوال من سبقهم من الأمم في مشابهة كفرهم بكفرهم وبما حل بهم من أنواع العذاب جزاء كفرهم كما قال تعالى ( أكفاركم خير من أولئكم ) .
فلما ضرب الله مثل السوء أتبعه بمثل الصلاح بحال الذين صدقوا الرسول واتبعوه وكيف كانت عاقبتهم الحسنى ليظهر الفرق بين مصيري فريقين جاءهم رسول فآمن به فريق وكفر به فريق ليكون ذلك ترغيبا للمشركين في الإيمان وبشارة للمؤمنين من أهل مكة .
فالمراد ببني إسرائيل القوم المتحدث عنهم بقوله ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ) الآية وترتيب الإخبار يقتضي أن الله بوأهم مبوأ صدق عقب مجاوزتهم البحر وغرق فرعون وجنوده فإنهم دخلوا بعد ذلك صحراء التيه وأمنوا على أنفسهم وأقبلوا على تزكية نفوسهم وإصلاح شؤونهم ورزقوا المن والسلوى وأعطوا النصر على الأمم التي تعرضت لهم تحاول منعهم من امتلاك الأرض الطيبة .
فما زالوا يتدرجون في مدارج الخير والإنعام فذلك مبوأ الصدق .
والرزق : من الطيبات .
فمعنى ( فما اختلفوا ) أولئك ولا من خلفهم من أبنائهم وأخلافهم .
والتبوؤ تقدم آنفا والمبوأ : مكان البوء أي الرجوع والمراد المسكن كما تقدم وإضافته إلى ( صدق ) من إضافة الموصوف إلى الصفة ويجوز أن يكون المبوأ مصدرا ميميا . والصدق هنا بمعنى الخالص في نوعه . وتقدم عند قوله تعالى ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ) . والمراد بمبوأ الصدق ما فتح الله عليهم من بلاد فلسطين وما فيها من خصب وثراء قال تعالى ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا )