وجملة ( وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين ) في موضع الحال فهي عطف على قوله ( على خوف من فرعون ) وهي تفيد معنى التعليل لخوفهم من فرعون أي أنهم محقون في خوفهم الشديد فبعد أن أثنى عليهم بأنهم آمنوا في حال شدة الخوف زاد فبين أنهم أحقاء بالخوف وفي هذا زيادة ثناء على قوة إيمانهم إذ آمنوا في حال خوفهم من الملك مع قدرته على أذاهم ومن ملئهم أي قومهم وهو خوف شديد لأن آثاره تتطرق المرء في جميع أحواله حتى في خلوته وخويصته لشدة ملابسة قومه إياه في جميع تقلباته بحيث لا يجد مفرا منهم ثم اتبعه ببيان اتساع مقدرة فرعون بيان تجاوزه الحد في الجور ومن هذه حالته لا يزعه عن إلحاق الضر بأضداده وازع .
وتأكيد الخبر ب ( إن ) للاهتمام بتحقيق بطش فرعون .
والعلو : مستعار للغلبة والاستبداد كقوله تعالى ( إن فرعون علا في الأرض ) وقوله ( أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين ) .
والإسراف : تجاوز حد الاعتدال المعروف في فعل فهو تجاوز مذموم وأشهر موارده في الإنفاق ولم يذكر متعلق الإفراط فتعين أن يكون إسرافا فيما عرف به ملوك زمانهم من الصفات المكروهة عند الناس الملازمة للملوك في العادة .
وقوله ( من المسرفين ) أبلغ في وصفه بالإسراف من أن يقال : وإنه لمسرف لما تقدم عند قوله تعالى ( قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين ) في الأنعام .
( وقال موسى يقوم إن كنتم أمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكفرين ) A E عطف بقية القصة على أولها فهو عطف على جملة ( وقال فرعون ) وهذا خطاب موسى لجميع قومه وهم بنو إسرائيل الذين بمصر وهو يدل على أنه خاطبهم بذلك بعد أن دعاهم وآمنوا به كما يؤذن به قوله ( إن كنتم آمنتم بالله ) . والغرض منه تثبيت الذين آمنوا به في حضرة فرعون على توكلهم وأمر من عداهم الذين خاف ذريتهم أن يؤنبوهم على إظهار الإيمان بأن لا يجبنوا أبناءهم وأن لا يخشوا فرعون ولذلك قال ( إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا ) . والمعنى : إن كنتم آمنتم بالله حقا كما أظهرته أقوالكم فعليه اعتمدوا في نصركم ودفع الضر عنكم ولا تعتمدوا في ذلك على أنفسكم بمصانعة فرعون ولا على فرعون بإظهار الولاء له .
وأراد إثارة صدق إيمانهم وإلهاب قلوبهم بجعل إيمانهم معلقا بالشرط محتمل الوقوع حيث تخوفوا من فرعون أن يفتنهم فأرادوا أن يكتموا إيمانهم تقية من فرعون وملئهم وإنما جعل عدم اكتراثهم ببطش فرعون علامة على إيمانهم لأن الدعوة في أول أمرها لا تتقوم إلا بإظهار متبعيها جماعتهم فلا تغتفر فيها التقية حينئذ . وبذلك عمل المسلمون الأولون مثل بلال وعمار وأبي بكر فأعلنوا الإيمان وتحملوا الأذى وإنما سوغت التقية للآحاد من المؤمنين بعد تقوم جامعة الإيمان فذلك محل قوله تعالى ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) .
فتقديم المجرور على متعلقه في قوله ( فعليه توكلوا ) لإفادة القصر وهو قصر إضافي يفسره قوله : ( على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ) فآل المعنى إلى نهيهم عن مخافة فرعون .
والتوكل : تقدم آنفا في قصة نوح .
وجملة ( إن كنتم مسلمين ) شرط ثان مؤكد لشرط ( إن كنتم آمنتم بالله ) فحصل من مجموع الجملتين أن حصول هذا التوكل متوقف على حصول إيمانهم وإسلامهم لمزيد الاعتناء بالتوكل وأنه ملازم للإيمان والإسلام ومبين أيضا للشرط الأول أي إن كان إيمانكم إيمان مسلم لله أي مخلص له غير شائب إياه بتردد في قدرة الله ولا في أن وعده حق فحصل من مجموع الشرطين ما يقتضي تعليق كل من الشرطين على الشرط الآخر