تذييل وشمل عموم الناس المشركين الذين يستمعون ولا يهتدون وينظرون ولا يعتبرون . والمقصود من هذا التذييل التعريض بالوعيد بأن سينالهم ما نال جميع الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب رسل الله . وعموم ( الناس ) الأول على بابه وعموم ( الناس ) الثاني مراد به خصوص الناس الذين ظلموا أنفسهم بقرينة الخبر . وإنما حسن الإتيان في جانب هؤلاء العموم تنزيلا للكثرة منزلة الإحاطة لأن ذلك غالب حال الناس في ذلك الوقت .
وهذا الاستدراك أشعر بكلام مطوي بعد نفي الظلم عن الله وهو أن الله لا يظلم الناس بعقابه من لم يستوجب العقاب ولكن الناس يظلمون فيستحقون العقاب فصار المعنى أن الله لا يظلم الناس بالعقاب ولكنهم يظلمون أنفسهم بالاعتداء على ما أراد منهم فيعاقبهم عدلا لأنهم ظلموا فاستوجبوا العقاب .
وتقديم المفعول على عامله لإفادة تغليطهم بأنهم ما جنوا بكفرهم إلا على أنفسهم وما ظلموا الله ولا رسله فما أضروا بعملهم إلا أنفسهم .
وقرأ الجمهور بتشديد نون ( لكن ) ونصب ( الناس ) وقرأ حمزة والكسائي وخلف بتخفيف النون ورفع ( الناس ) .
( ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) A E عطف على ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ) عطف القصة على القصة عودا إلى غرض من الكلام بعد تفصيله وتفريعه وذم المسوق إليهم وتقريعهم فإنه لما جاء فيما مضى ذكر يوم الحشر إذ هو حين افتضاح ضلال المشركين ببراءة شركائهم منهم أتبع ذلك بالتقريع على عبادتهم الأصنام مع وضوح براهين الوحدانية لله تعالى . وإذ كان القرآن قد أبلغهم ما كان يعصمهم من ذلك الموقف الذليل لو اهتدوا به أتبع ذلك بالتنويه بالقرآن وإثبات أنه خارج عن طوق البشر وتسفيه الذين كذبوه وتفننوا في الإعراض عنه واستوفي الغرض حقه عاد الكلام إلى ذكر يوم الحشر مرة أخرى إذ هو حين خيبة أولئك الذين كذبوا بالبعث وهم الذين أشركوا وظهر افتضاح شركهم في يوم الحشر فكان مثل رد العجز على الصدر .
وانتصب ( يوم ) على الظرفية لفعل ( خسر ) . والتقدير : وقد خسر الذين كذبوا بلقاء الله يوم نحشرهم فارتباط الكلام هكذا : وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون وقد خسر الذين كذبوا بلقاء الله يوم نحشرهم . وتقديم الظرف على عامله للاهتمام لأن المقصود الأهم تذكيرهم بذلك اليوم وإثبات وقوعه مع تحذيرهم ووعيدهم بما يحصل لهم فيه .
ولذلك عدل عن الإضمار إلى الموصولية في قوله ( وقد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ) دون قد خسروا للإيماء إلى أن سبب خسرانهم هو تكذيبهم بلقاء الله وذلك التكذيب من آثار الشرك فارتبط بالجملة الأولى وهي جملة ( ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم إلى قوله وضل عنهم ما كانوا يفترون ) .
وقرأ الجمهور ( نحشرهم ) بنون العظمة وقرأه حفص عن عاصم بياء الغيبة فالضمير يعود إلى اسم الجلالة في قوله قبله ( إن الله لا يظلم الناس شيئا ) .
وجملة ( كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار ) إما معترضة بين جملة ( نحشرهم ) وجملة ( يتعارفون بينهم ) وإما حال من الضمير المنصوب في ( نحشرهم ) .
و ( كأن ) مخففة ( كأن ) المشددة النون التي هي إحدى أخوات " إن " وهي حرف تشبيه وإذا خففت يكون اسمها محذوفا غالبا والتقدير هنا : كأنهم لم يلبثوا إلا ساعة من النهار . وقد دل على الاسم المحذوف ما تقدم من ضمائرهم .
والمعنى تشبيه المحشورين بعد أزمان مضت عليهم في القبور بأنفسهم لو لم يلبثوا في القبور إلا ساعة من النهار .
و ( من النهار ) ( من ) فيه تبعيضية صفة ل ( ساعة ) وهو وصف غير مراد منه التقييد إذ لا فرق في الزمن القليل بين كونه من النهار أو من الليل وإنما هذا وصف خرج مخرج الغالب لأن النهار هو الزمن الذي تستحضره الأذهان في المتعارف مثل ذكر لفظ الرجل في الإخبار عن أحوال الإنسان كقوله تعالى ( وعلى الأعراف رجال ) . ومن هذا ما وقع في الحديث " وإنما أحلت لي ساعة من نهار " والمقصود ساعة من الزمان وهي الساعة التي يقع فيها قتال أهل مكة من غير التفات إلى تقييد بكونه في النهار وإن كان صادف أنه في النهار