وعطفت حملة القسم بالفاء للدلالة على أن القسم متفرع على الكلام المتقدم لأن إخبارهم بنفي أن يكونوا يعبدونهم خبر غريب مخالف لما هو مشاهد فناسب أن يفرع عليه ما يحققه ويبينه مع تأكيد ذلك بالقسم . والإتيان بفاء التفريع عند تعقيب الكلام بجملة قسمية من فصيح الاستعمال كقوله تعالى ( كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) . ومن خصائصه أنه إذا عطف بفاء التفريع كان مؤكدا لما قبله بطريق تفريع القسم عليه ومؤكدا لما بعده بطريق جواب القسم به . وهذه الآية لم تفسر حق تفسيرها .
والشهيد : الشاهد وهو المؤيد والمصدق لدعوى مدع كما تقدم في قوله تعالى ( فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا ) .
و ( كفى ) بمعنى أجزأ وأغنى عن غيره . وتقدم في قوله تعالى ( وكفى بالله وليا ) في سورة النساء . وهو بصيغة خبر مستعمل في إنشاء القسم . والباء مزيدة للتأكيد . وأصله كفى بالله شهيدا .
وانتصب ( شهيدا ) على التمييز لنسبة الكفاية إلى الله لما فيها من الإجمال .
وجملة ( إن كنا عن عبادتكم لغافلين ) جواب للقسم . ( وإن ) مخففة من " إن " . واسمها ضمير شأن ملتزم الحذف .
وجملة ( كنا عن عبادتكم لغافلين ) مفسرة لضمير الشأن . واللام فارقة بين ( إن ) المؤكدة المخففة و ( إن ) النافية .
وتقديم قوله ( عن عبادتكم ) على عامله للاهتمام وللرعاية على الفاصلة .
( هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت ) تذييل وفذلكة للجمل السابقة من قوله ( والله يدعو إلى دار السلام ) إلى هنا . وهو اعتراض بين الجمل المتعاطفة .
والإشارة إلى المكان الذي أنبأ عنه قوله ( نحشرهم ) أي في ذلك المكان الذي نحشرهم فيه . واسم الإشارة في محل نصب على الظرفية . وعامله ( تبلو ) وقدم هذا الظرف للاهتمام به لأن الغرض الأهم من الكلام لعظم ما يقع فيه .
و ( تبلو ) تختبر وهو هنا كناية عن التحقق وعلم اليقين . ( وأسلفت ) قدمت أي عملا أسلفته . والمعنى أنها تختبر حالته وثمرته فتعرف ما هو حسن ونافع وما هو قبيح وضار إذ قد وضح لهم ما يفضي إلى النعيم بصاحبه وضده .
A E وقرأ الجمهور ( تبلو ) بموحدة بعد المثناة الفوقية . وقرأه حمزة والكسائي وخلف بمثناة فوقية بعد المثناة الأولى على أنه من التلو وهو المتابعة أي تتبع كل نفس ما قدمته من عمل فيسوقها إلى الجنة أو إلى النار .
( وردوا إلى الله مولهم الحق ) يجوز ان تكون معطوفة على جملة ( هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ) فتكون من تمام التذييل ويكون ضمير ( ردوا ) عائدا إلى ( كل نفس ) . ويجوز أن تكون معطوفة على قوله و ( يوم نحشرهم جميعا ) الآية فلا تتصل بالتذييل أي ونردهم إلينا ويكون ضمير ( ردوا ) عائدا إلى الذين أشركوا خاصة . والمعنى تحقق عندهم الحشر الذي كانوا ينكرونه . ويناسب هذا المعنى قوله ( مولاهم الحق ) فإن فيه إشعارا بالتورك عليهم بإبطال مواليهم الباطلة .
والرد : الإرجاع . والإرجاع إلى الله الإرجاع إلى تصرفه بالجزاء على ما يرضيه وما لا يرضيه وقد كانوا من قبل حين كانوا في الحياة الدنيا ممهلين غير مجازين .
والمولى : السيد لأن بينه وبين عبده ولاء عهد الملك . ويطلق على متولي أمور غيره وموفر شؤونه .
والحق : الموافق للواقع والصدق أي ردوا إلى الإله الحق دون الباطل . والوصف بالحق هو وصف المصدر في معنى إلحاق أي إلحاق المولوية أي دون الأولياء الذين زعموهم باطلا .
( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) هذه الجملة مختصه بالمشركين كما هو واضح .
والضلال : الضياع .
و ( ما كانوا يفترون ) ما كانوا يكذبون من نسبتهم الإلهية إلى الأصنام فيجوز أن يكون ما صدق ( ما ) الموصولة الأصنام فيكون قد حذف العائد مع حرف الجر بدون أن يجر الموصول بمثل ما جر به العائد والحق جوازه فالتقدير : ما كانوا يكذبون عليه أو له . وضلاله : عدم وجوده على الوصف المزعوم له .
ويجوز أن يكون ما صدق ( ما ) نفس الافتراء أي الافتراء الذي كانوا يفترونه . وضلاله : ظهور نفيه وكذبه