وانتصاب ( يوم نحشرهم ) إما على المفعولية بتقدير : اذكر وإما على الظرفية لفعل مقدر يدل عليه قوله ( ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ) والتقدير : ونقول للذين أشركوا مكانكم يوم نحشر الناس جميعا . وضمير ( نحشرهم ) للذين تقدم الكلام عليهم وهم الذين أحسنوا والذين كسبوا السيئات . وقوله ( جميعا ) حال من الضمير البارز في ( نحشرهم ) للتنصيص على إرادة عموم الضمير . وذلك أن الحشر يعم الناس كلهم . ومن نكت ذكر حشر الجميع هنا التنبيه على أن فظيع حال المشركين وافتضاحهم يكون بمرأى ومسمع من المؤمنين فتكون السلامة من تلك الحالة زيادة في النعمة على المسلمين وتقوية في النكاية للمشركين .
والحشر : الجمع من أمكنة إلى مكان واحد . وتقدم في قوله تعالى ( وحشرنا عليهم كل شيء ) في سورة الأنعام .
وقوله ( مكانكم ) منصوب على المفعولية بفعل محذوف تقديره : الزموا مكانكم واستعماله هذا شائع في كلام العرب في الأمر بالملازمة مع التزام حذف العامل فيه حتى صار بمنزلة أسماء الأفعال الموضوعة للأمر نحو : صه ويقترن بضمير مناسب للمخاطب من إفراد وغيره قال عمرو بن الاطنابة : .
" مكانك تحمدي أو تستريحي وأمرهم بملازمة المكان تثقيف وحبس . وإذ قد جمع فيه المخاطبون وشركاؤهم علم أن ذلك الحبس لأجل جريمة مشتركة بين الفريقين وهي كون أحد الفريقين عابدا والآخر معبودا .
وقوله ( أنتم ) تأكيد للضمير المتصل المقدر في الفعل المقدر وهو المسوغ للعطف عليه وبهذا العطف صار الشركاء مأمورين باللبث في المكان .
والشركاء : الأصنام . وصفوا بالشركاء لاعتقاد المخاطبين ذلك ولذلك أضيف إلى ضميرهم أي أنتم والذين زعمتم أنهم شركاء . فإضافة شركاء إلى ضمير المخاطبين تهكم .
وعطف ( فزيلنا ) بفاء التعقيب لإفادة حصول ذلك في عقب وقت الأمر باللبث . ولما كانت الفاء تقتضي الترتيب الزمني في حصول معطوفها إثر المعطوف عليه وكان المقصود هنا أن التزييل حصل مقارنا لإلزامهم المكان عبر عن فعل التزييل بصيغة الماضي لإفادة تحقيق وقوع التزييل كقوله ( أتى أمر الله ) .
A E وزيل : مضاعف زال المتعدي . يقال : زاله عن موضعه يزيله بمعنى أزاله فجعلوه يائي العين للتفرقة بينه وبين زال القاصر الذي هو واوي العين فزيل فعل للمبالغة في الزيل مثل فرق مبالغة في فرق . والمعنى وقع بينهم تفريق قوي بحيث انقطعت جميع الوصل التي كانت بينهم . والتزييل هنا مجازي فيشمل اختلاف القول .
وتعليق التزييل بالأصنام باعتبار خلق معناه فيها حين أنطقها الله بما يخالف زعم عبادها .
وجملة ( وقال شركاؤهم ) عطف على جملة ( فزيلنا ) فهو في حيز التعقيب ويجوز جعلها حالا .
ويقول الشركاء هذا الكلام بخلق نطق فيها خارق للعادة يفهمه الناس لإشعار أولئك العابدين بأن أصنامهم تبرأوا منهم وذلك مما يزيدهم ندامة . وكلام الأصنام يفيد نفي أن يكونوا عبدوهم بل عبدوا غيرهم . وفي استقامة ذلك إشكال لأن الواقع أنهم عبدوهم وعبدوا غيرهم فكيف ينفي كلامهم عبادتهم إياهم وهو كلام خلقه الله فيهم فكيف يكون كذبا . وقد تأول المفسرون هذا بوجوه لا ينثلج لها الصدر .
والذي ظهر لي أن يكون آخر كلام الأصنام مبينا لما أجمله أوله بأنهم نفوا أن يكونوا عبدوهم عبادة كاملة وهي العبادة التي يقصد منها العابد امتثال أمر المعبود وإرضاءه فتقتضي أن يكون المعبود عالما وآمرا بتلك العبادة . ولما كانت الأصنام غير عالمين ولا آمرين استقام نفيهم أن يكون عبدتهم قد عبدوهم تلك العبادة وإنما عبدوا غيرهم ممن أمروهم بالعبادة وهم الشياطين ولذلك قالوا ( إن كنا عن عبادتكم لغافلين ) كما تفسره الآية الأخرى وهي قوله تعالى ( أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ) .
فالمراد بالشركاء الأصنام لا غيرها ويجوز ان يكون نطقها بجحد عبادة المشركين هو أن خلق لها عقولا فكانت عقولها مستحدثة يومئذ لم يتقرر فيها علم بأن المشركين عبدوها . ويفسر هذا قولهم بعد ذلك ( إن كنا عن عبادتكم لغافلين ) .
وجملة ( فكفى بالله شهيدا ) مؤكدة بالقسم ليثبتوا البراءة مما ألصق بهم . وجواب القسم ( إن كنا عن عبادتكم لغافلين ) . وليس قولهم ( كفى بالله شهيدا ) قسما على كلامهم المتقدم لأن شأن القسم أن يكون في صدر الجملة