وقوله ( ليلا أو نهارا ) ترديد في الوقت لإثارة التوقع من إمكان زوال نضارة الحياة في جميع الأزمنة لأن الشيء الموقت بمعين من التوقيت يكون الناس في أمن من حلوله في غير ذلك الوقت .
والزخرف : اسم الذهب . وأطلق على ما يتزين به مما فيه ذهب وتلوين من الثياب والحلي .
وإطلاق أخذ الأرض زخرفها على حصول الزينة فيها استعارة مكنية . شبهت الأرض بالمرأة حين تريد التزين فتحضر فاخر ثيابها من حلي وألوان . والعرب يطلقون على ذلك التناول اسم الأخذ قال تعالى ( آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ) وقال بشار ابن برد : .
وخذي ملابس زينة ... ومصبغات وهي أفخر وذكر ( ازينت ) عقب ( زخرفها ) ترشيح للاستعارة لأن المرأة تأخذ زخرفها للتزين . و ( ازينت ) أصله تزينت فقلبت التاء زايا لتدغم في الزاي فسكنت وأدغمت واجتلبت همزة الوصل لأجل النطق بالساكن .
واعلم أن في قوله تعالى ( أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا ) إشارة لإدارة الاستئصال فهو ينذر بالتهديد للكافرين ويجعل التمثيل أعلق بحياتهم كقوله تعالى ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) لا سيما وقد ضرب هذا المثل لتمتع الكافرين ببغيهم وإمهالهم عليه ويزيد تلك الإشارة وضوحا قوله ( وظن أهلها أنهم قادرون عليها ) المؤذن بأن أهلها مقصودون بتلك الإصابة .
ومعنى ( أنهم قادرون عليها ) أنهم مستمرون على الانتفاع بها محصلون لثمراتها فأطلق على التمكن من الانتفاع ودوامه لفظ القدرة على وجه الاستعارة .
A E والحصيد : المحصود وهو الزرع المقطوع من منابته . والإخبار عن الأرض بحصيد على طريقة المجاز العقلي وإنما المحصود نباتها . ومعنى ( لم تغن ) لم تعمر أي لم تعمر بالزرع . يقال : غني المكان إذا عمر . ومنه المغنى للمكان المأهول . وضد أغنى أقفر المكان .
والباء ( بالأمس ) للظرفية . والأمس : اليوم الذي قبل يومك . واللام فيه مزيدة لتملية اللفظ مثل التي في كلمة الآن . والمراد بالأمس في الآية مطلق الزمن الذي مضى لأن أمس يستعمل بمعنى ما مضى من الزمان كما يستعمل الغد في معنى المستقبل واليوم في معنى الحال . وجمعها قول زهير : .
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما غد عسم وجملة ( كذلك نفصل الآيات ) إلى آخرها تذييل جامع أي مثل هذا التفصيل نفصل أي نبين الدلالات كلها الدالة على عموم العلم والقدرة وإتقان الصنع . فهذه آية من الآيات المبينة وهي واحدة من عموم الآيات . وتقدم نظيره في قوله تعالى ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) في سورة الأنعام .
واللام في ( لقوم يتفكرون ) لام الأجل .
والتفكر : التأمل والنظر وهو تفعل مشتق من الفكر وقد مر عند قوله تعالى ( قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون ) في سورة الأنعام . وفيه تعريض بأن الذين لم ينتفعوا بالآيات ليسوا من أهل التفكر ولا كان تفصيل الآيات لأجلهم . وتقدم ذكر لفظ القوم غير مرة في هذه السورة .
( والله يدعوا إلى دار السلم ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) الجملة معطوفة على جملة ( كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون ) أي نفصل الآيات التي منها آية حالة الدنيا وتقضيها وندعو إلى دار السلام دار الخلد . ولما كانت جملة ( كذلك نفصل الآيات ) تذييلا وكان شأن التذييل أن يكون كاملا جامعا مستقلا جعلت الجملة المعطوفة عليها مثلها في الاستقلال فعدل فيها عن الإضمار إلى الإظهار إذ وضع قوله ( والله يدعو ) موضع ندعو لأن الإضمار في الجملة يجعلها محتاجة إلى الجملة التي فيها المعاد .
وحذف مفعول ( يدعو ) لقصد التعميم أي يدعو كل أحد . والدعوة هي : الطلب والتحريض . وهي هنا أوامر التكليف ونواهيه .
ودار السلام : الجنة قال تعالى ( لهم دار السلام عند ربهم ) وقد تقدم وجه تسميتها بذلك في سورة الأنعام