وقرأ الجمهور ( يسيركم ) بتحتية في أوله مضمومة فسين مهملة بعدها تحتية بعدها راء من السير أي يجعلكم تسيرون . وقرأه ابن عامر وأبو جعفر ( ينشركم ) بتحتية مفتوحة في أوله بعدها نون ثم شين معجمة ثم راء من النشر وهو التفريق على نحو قوله تعالى ( إذا أنتم بشر تنتشرون ) وقوله ( فانتشروا في الأرض ) . قال ابن عطية عن عوف بن أبي جميلة وأبي الزغل : كانوا " أي أهل الكوفة " يقرأون " ينشركم " فنظروا في مصحف عثمان بن عفان فوجدوها ( يسيركم ) " أي بتحتية فسين مهملة فتحتية " فأول من كتبها كذلك الحجاج بن يوسف أي أمر بكتبها في مصاحف أهل الكوفة .
و ( حتى ) غاية للتسيير . وهي هنا ابتدائية أعقبت بحرف المفاجأة وجوابه والجملة والغاية هي مفاد جواب ( إذا ) وهو قوله ( جاءتها ريح عاصف ) فمجيء الريح العاصف هو غاية التسيير الهنيء المنعم به إذ حينئذ ينقلب التسيير كارثة ومصيبة .
والفلك : اسم لمركب البحر واسم جمع له بصيغة واحدة وقد تقدم عند قوله تعالى ( والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ) في سورة البقرة . وهو هنا مراد به الجمع .
A E والجري : السير السريع في الأرض أو في البحر قال تعالى ( باسم الله مجراها ) والظاهر أنه حقيقة فيهما .
والريح مؤنثة في كلام العرب وتقدم في قوله ( وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته ) في سورة الأعراف . والطيبة : الملائمة الرفيقة بالراكبين .
والطيب : الموصوف بالطيب الشديد . وأصل معنى الطيب الملاءمة فيما يراد من الشيء كقوله تعالى ( فلنحيينه حياة طيبة ) ويقال : طاب له المقام في مكان كذا . ومنه سمي الشيء الذي له ريح وعرف طيبا .
وجملة ( جاءتها ريح عاصف ) جواب ( إذا ) . وفي ذكر جريهن بريح طيبة وفرحهم بها إيماء إلى أن مجيء العاصفة حدث فجأة دون توقع من دلالة علامات النوتية كما هو الغالب . وفيه إيماء إلى أن ذلك بتقدير مراد لله تعالى ليخوفهم ويذكرهم بوحدانيته .
وضمير ( جاءتها ) عائد إلى ( الفلك ) لأن جمع غير العاقل يعامل معاملة المفرد المؤنث .
والعاصف : وصف خاص بالريح أي شديدة السرعة . وإنما لم تلحقه علامة التأنيث لأنه مختص بوصف الريح فاستغنى عن التأنيث مثل : نافس وحائض ومرضع فشاع استعماله كذلك وذكر وصفا للريح فبقي لا تلحقه التاء . وقالوا : إنما لم تلحقه التاء لأنه في معنى النسب مثل : لابن وتامر وفيه نظر .
ومعنى ( من كل مكان ) من كل جهة من جهات الفلك فالابتداء الذي تفيده ( من ) ابتداء الأمكنة المتجهة إلى الفلك .
ومعنى ( أحيط بهم ) أخذوا وأهلكوا فالعرب يقولون : أحاط العدو بالقبيلة إذا تمكن منها وغلبها لأن الإحاطة بها تدل على الإحداق بها وتطويقها . ولما كان ذلك هزيمة وامتلاكا لها صار ترتيب ( أحيط بهم ) استعارة تمثيلية للهلاك كما تقدم في قوله تعالى ( والله محيط بالكافرين ) وقوله تعالى ( لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ) وقوله ( وأحيط بثمره ) أي هلكت . فمعنى ( وظنوا أنهم أحيط بهم ) ظنوا الهلاك .
وجملة ( دعوا الله مخلصين ) جواب ( إذا ) . ومعنى مخلصين له الدين ممحضين له العبادة في دعائهم أي دعوه ولم يدعوا معه أصنامهم . وليس المراد أنهم أقلعوا عن الإشراك في جميع أحوالهم بل تلك حالتهم في الدعاء عند الشدائد . وهذا إقامة حجة عليهم ببعض أحوالهم مثل قوله تعالى ( أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون ) .
وجملة ( لئن أنجيتنا ) بيان لجملة ( دعوا ) لأن مضمونها هو الدعاء .
والإشارة ب ( هذه ) إلى حالة حاضرة لهم وهي حالة إشرافهم على الغرق فالمشار إليه هو الحالة المشاهدة لهم .
وقد أكد وعدهم بالشكر بثلاث مؤكدات : لام توطئة القسم ونون التوكيد والتعبير بصيغة ( من الشاكرين ) دون لنكونن شاكرين لما يفيده من كونهم من هذه الزمرة التي ديدنها الشكر كما تقدم بيان خصوصية مثل هذا التركيب عند قوله تعالى ( قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ) في سورة الأنعام .
وأتى بحرف ( إذا ) الفجائية في جواب ( لما ) للدلالة على تعجيلهم بالبغي في الأرض عقب النجاة