والمهاجرون والأنصار : هم مجموع أهل المدينة وكان جيش العسرة منهم ومن غيرهم من القبائل التي حول المدينة ومكة ولكنهم خصوا بالثناء لأنهم لم يترددوا ولم يتثاقلوا ولا شحوا بأموالهم فكانوا إسوة لمن أتسى بهم من غيرهم من القبائل .
ووصف المهاجرون والأنصار ب ( الذين اتبعوه ) للإيماء إلى أن لصلة الموصول تسببا في هذه المغفرة .
ومعنى ( اتبعوه ) أطاعوه ولم يخالفوا عليه فالاتباع مجازي .
والساعة : الحصة من الزمن .
والعسرة : اسم العسر زيدت فيه التاء للمبالغة وهي الشدة . وساعة العسرة هي زمن استنفار النبي A الناس إلى غزوة تبوك . فهو الذي تقدمت الإشارة إليه بقوله ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) فالذين انتدبوا وتأهبوا وخرجوا هم الذين اتبعوه فأما ما بعد الخروج إلى الغزو فذلك ليس هو الاتباع ولكنه الجهاد . ويدل لذلك قوله ( من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم ) اي من المهاجرين والأنصار فإنه متعلق ب ( اتبعوه ) أي اتبعوا أمره بعد أن خامر فريقا منهم خاطر التثاقل والقعود والمعصية بحيث يشبهون المنافقين فان ذلك لا يتصور وقوعه بعد الخروج وهذا الزيغ لم يقع ولكنه قارب الوقوع .
و ( كاد ) من أفعال المقاربة تعمل في اسمين عمل كان واسمها هنا ضمير شأن مقدر وخبرها هو جملة الخبر عن ضمير الشأن وإنما جعل اسمها هنا ضمير شأن لتهويل شأنهم حين أشرفوا على الزيغ .
وقرأ الجمهور ( تزيغ ) بالمثناة الفوقية . وقرأه حمزة وحفص عن عاصم وخلف بالمثناة التحتية . وهما وجهان في الفعل المسند لجمع تكسير ظاهر . والزيغ : الميل عن الطريق المقصود . وتقدم عند قوله تعالى ( ربنا لا تزغ قلوبنا ) في سورة آل عمران .
وجملة ( ثم تاب عليهم ) عطف على جملة ( لقد تاب الله ) أي تاب على غير هذا الفريق مطلقا وتاب على هذا الفريق بعد ما كادت قلوبهم تزيغ فتكون ( ثم ) على أصلها من المهلة . وذلك كقوله في نظير هذه الآية ( ثم تاب عليهم ليتوبوا ) . والمعنى تاب عليهم فأهموا به وخرجوا فلقوا المشقة والعسر فالضمير في قوله ( عليهم ) لل " فريق " . وجوز كثير من المفسرين أن تكون ( ثم ) للترتيب في الذكر والجملة بعدها توكيدا لجملة ( تاب الله ) فالضمير للمهاجرين والأنصار كلهم .
وجملة ( إنه بهم رءوف رحيم ) تعليل لما قبلها على التفسيرين .
( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ) ( وعلى الثلاثة ) معطوف " على النبي " بإعادة حرف الجر لبعد المعطوف عليه أي وتاب على الثلاثة الذين خلفوا . وهؤلاء فريق له حالة خاصة من بين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك غير الذين ذكروا في قوله ( فرح المخلفون بمقعدهم ) الآية والذين ذكروا في قوله ( وجاء المعذرون ) الآية .
والتعريف في ( الثلاثة ) تعريف العهد فإنهم كانوا معروفين بين الناس وهم : كعب ابن مالك من بني سلمة ومرارة بن الربيع العمري من بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية الواقفي من بني واقف كلهم من الأنصار تخلفوا عن غزوة تبوك بدون عذر . ولما رجع النبي A من غزوة تبوك سألهم عن تخلفهم فلم يكذبوه بالعذر ولكنهم اعتذروا بذنبهم وحزنوا . ونهى رسول الله A الناس عن كلامهم وأمرهم بأن يعتزلوا نساءهم . ثم عفا الله عنهم بعد خمسين ليلة . وحديث كعب بن مالك في قصته هذه مع الآخرين في صحيح البخاري وصحيح مسلم طويل أغر وقد ذكره البغوي في تفسيره .
A E