قال الطيبي : " فقوله ( يقاتلون ) بيان لأن مكان التسليم هو المعركة لأن هذا البيع سلم ومن ثم قيل ( بأن لهم الجنة ) ولم يقل بالجنة . وأتي بالأمر في صورة الخبر ثم ألزم الله البيع من جانبه وضمن إيصال الثمن إليهم بقوله ( وعدا عليه حقا ) أي لا إقالة ولا استقالة من حضرة العزة . ثم ما اكتفى بذلك بل عين الصكوك المثبت فيها هذه المبايعة وهي التوراة والإنجيل والقرآن " اه . وهو يرمي بهذا إلى أن تكون الآية تتضمن تمثيلا عكس ما فسرنا به آنفا .
وقوله ( فيقتلون ويقتلون ) تفريع على ( يقاتلون ) لأن حال المقاتل لا تخلو من أحد هذين الأمرين . وقرأ الجمهور ( فيقتلون ) بصيغة المبني للفاعل وما بعده بصيغة المبني للمفعول . وقرأ حمزة والكسائي بالعكس . وفي قراءة الجمهور اهتمام بجهادهم بقتل العدو وفي القراءة الأخرى اهتمام بسبب الشهادة التي هي أدخل في استحقاق الجنة .
و ( وعدا ) منصوب على المفعولية المطلقة من " اشترى " لأنه بمعنى وعد إذ العوض مؤجل .
و ( حقا ) صفة ( وعدا ) .
و ( عليه ) ظرف لغو متعلق ب ( حقا ) قدم على عامله للاهتمام بما دل عليه حرف ( على ) من معنى الوجوب .
وقوله ( في التوراة ) حال من ( وعدا ) . والظرفية ظرفية الكتاب للمكتوب أي مكتوبا في التوراة والإنجيل والقرآن .
وجملة ( ومن أوفى بعهده من الله ) في موضع الحال من الضمير المجرور في قوله ( وعدا عليه حقا ) أي وعدا حقا عليه ولا أحد أوفى بعهده منه فالاستفهام إنكاري بتنزيل السامع منزلة من يجعل هذا الوعد محتملا للوفاء وعدمه كغالب الوعود فيقال : ومن أوفى بعهده من الله إنكارا عليه .
و ( أوفى ) اسم تفضيل من وفى بالعهد إذا فعل ما عاهد على فعله .
و ( من ) تفضيلية وهي للابتداء عند سيبوية أي للابتداء المجازي . وذكر اسم الجلالة عوضا عن ضميره لإحضار المعنى الجامع لصفات الكمال . والعهد : الوعد بحلف والوعد الموكد والبيعة عهد والوصية عهد .
وتفرع على كون الوعد حقا على الله وعلى أن الله أوفى بعهده من كل واعد أن يستبشر المؤمنون ببيعهم هذا فالخطاب للمؤمنين من هذه الأمة .
وأضيف البيع إلى ضميرهم إظهارا لاغتباطهم به .
ووصفه بالموصول وصلته ( الذي بايعتم به ) تأكيدا لمعنى ( بيعكم ) فهو تأكيد لفظي بلفظ مرادف .
وجملة ( وذلك هو الفوز العظيم ) تذييل جامع فإن اسم الإشارة الواقع في أوله جامع لصفات ذلك البيع بعوضيه . وأكد بضمير الفصل وبالجملة الاسمية وبالوصف ب ( العظيم ) المفيد للأهمية .
( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) أسماء الفاعلين هنا أوصاف للمؤمنين من قوله ( إن الله اشترى من المؤمنين ) فكان أصلها الجر ولكنها قطعت عن الوصفية وجعلت أخبارا لمبتدأ محذوف هو ضمير الجمع اهتماما بهذه النعوت اهتماما أخرجها عن الوصفية إلى الخبرية ويسمى هذا الاستعمال نعتا مقطوعا وما هو بنعت اصطلاحي ولكنه نعت في المعنى .
ف ( التائبون ) مراد منه أنهم مفارقون للذنوب سواء كان ذلك من غير اقتراف ذنب يقتضي التوبة كما قال تعالى ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه ) الآية أم كان بعد اقترافه كقوله تعالى ( فإن يتوبوا يك خيرا لهم ) بعد قوله ( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) الآية المتقدمة آنفا . وأول التوبة الإيمان لأنه إقلاع عن الشرك ثم يدخل منهم من كان له ذنب مع الإيمان وتاب منه . وبذلك فارق النعت المنعوت وهو ( المؤمنين ) .
و ( العابدون ) : المؤدون لما أوجب الله عليهم .
و ( الحامدون ) : المعترفون لله تعالى بنعمه عليهم الشاكرون له .
و ( السائحون ) : مشتق من السياحة . وهي السير في الأرض . والمراد به سير خاص محمود شرعا . وهو السفر الذي فيه قربة لله وامتثال لأمره مثل سفر الهجرة من دار الكفر أو السفر للحج أو السفر للجهاد . وحمله هنا على السفر للجهاد أنسب بالمقام وأشمل للمؤمنين المأمورين بالجهاد بخلاف الهجرة والحج .
و ( الراكعون الساجدون ) : هم الجامعون بينهما أي المصلون إذ الصلاة المفروضة لا تخلو من الركوع والسجود .
A E