و ( من ) التي يتعدى بها فعل أمكن اتصالية مثل التي في قولهم : لست منك ولست مني . فقوله تعالى ( فأمكن منهم ) حذف مفعوله لدلالة السياق عليه أي أمكنك منهم يوم بدر أي لم ينفلتوا منك .
والمعنى أنه أتاكم بهم إلى بدر على غير ترقب منكم فسلطكم عليهم .
( والله عليم حكيم ) تذييل أي عليم بما في قلوبهم حكيم في معاملتهم على حسب ما يعلم منهم .
A E ( إن الذين أمنوا وهاجروا وجهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وليتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير ) هذه الآيات استئناف ابتدائي للإعلام بأحكام موالاة المسلمين للمسلمين الذين هاجروا والذين لم يهاجروا وعدم موالاتهم للذين كفروا نشأ عن قول العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر أنه مسلم وأن المشركين أكرهوه على الخروج إلى بدر ولعل بعض الأسرى غيره قد قال ذلك وكانوا صادقين فلعل بعض المسلمين عطفوا عليهم وظنوهم أولياء لهم فأخبر الله المسلمين وغيرهم بحكم من آمن واستمر على البقاء بدار الشرك . قال ابن عطية : " مقصد هذه الآية وما بعدها تبيين منازل المهاجرين والأنصار والمؤمنين الذين لم يهاجروا والكفار والمهاجرين بعد الحديبية وذكر نسب بعضهم عن بعض " .
وتعرضت الآية إلى مراتب الذين أسلموا فابتدأت ببيان فريقين اتحدت أحكامهم في الولاية والمؤاساة حتى صاروا بمنزلة فريق واحد وهؤلاء هم فريقا المهاجرين والأنصار الذين امتازوا بتأييد الدين . فالمهاجرون امتازوا بالسبق إلى الإسلام وتكبدوا مفارقة الوطن . والأنصار امتازوا بإيوائهم وبمجموع العملين حصل إظهار البراءة من الشرك وأهله وقد اشترك الفريقان في أنهم آمنوا وأنهم جاهدوا واختص المهاجرون بأنهم هاجروا واختص الأنصار بأنهم آووا ونصروا وكان فضل المهاجرين أقوى لأنهم فضلوا الإسلام على وطنهم وأهليهم وبادر إليه أكثرهم فكانوا قدوة ومثالا صالحا للناس .
والمهاجرة هجر البلاد أي الخروج منها وتركها قال عبدة بن الطبيب : .
إن التي ضربت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودها غول وأصل الهجرة الترك واشتق منه صيغة المفاعلة لخصوص ترك الدار والقوم لأن الغالب عندهم كان أنهم يتركون قومهم ويتركهم قومهم إذ لا يفارق أحد قومه إلا لسوء معاشرة تنشأ بينه وبينهم .
وقد كانت الهجرة من أشهر أحوال المخالفين لقومهم في الدين فقد هاجر إبراهيم عليه السلام " وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين " . وهاجر لوط عليه السلام " وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم " وهاجر موسى عليه السلام بقومه وهاجر محمد A وهاجر المسلمون بإذنه إلى الحبشة ثم إلى المدينة يثرب ولما استقر المسلمون من أهل مكة بالمدينة غلب عليهم وصف المهاجرين وأصبحت الهجرة صفة مدح في الدين ولذلك قال النبي A في مقام التفضيل " لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار " وقال للأعرابي " ويحك إن شأنها شديد وقال لا هجرة بعد الفتح " .
والإيواء تقدم عند قوله تعالى ( فآواكم وأيدكم بنصره ) في هذه السورة .
والنصر تقدم عند قوله تعالى ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا إلى قوله ولا هم ينصرون ) في سورة البقرة .
والمراد بالنصر في قوله ( ونصروا ) النصر الحاصل قبل الجهاد وهو نصر النبي A والمسلمين بأنهم يحمونهم بما يحمون به أهلهم ولذلك غلب على الأوس والخزرج وصف الأنصار .
واسم الإشارة في قوله ( أولئك بعضهم أولياء بعض ) لإفادة الاهتمام بتمييزهم للأخبار عنهم وللتعريض بالتعظيم لشأنهم ولذلك لم يؤت بمثله في الأخبار عن أحوال الفرق الأخرى .
A E