وقيل يجعل ( ومن اتبعك ) مفعولا معه لقوله ( حسبك ) بناء على قول البصريين أنه لا يعطف على الضمير المجرور اسم ظاهر أو يجعل معطوفا على رأي الكوفيين المجوزين لمثل هذا العطف . وعلى هذا التقدير يكون التنويه بالمؤمنين في جعلهم مع النبي A في هذا التشريف والتفسير الأول أولى وأرشق .
وقد روي عن ابن عباس : أن قوله ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) نزلت يوم أسلم عمر بن الخطاب . فتكون مكية وبقيت مقروءة غير مندرجة في سورة ثم وقعت في هذا الموضع بإذن من النبي A لكونه أنسب لها .
A E وعن النقاش نزلت هذه الآية بالبيداء في بدر قبل ابتداء القتال فيكون نزولها متقدما على أول سورة ثم جعل في هذا الموضع من السورة .
والتناسب بينها وبين الآية التي بعدها ظاهر مع اتفاقهم على أن الآية التي بعدها نزلت مع تمام السورة فهي تمهيد لأمر المؤمنين بالقتال ليحققوا كفايتهم الرسول .
( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن تكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ) أعيد نداء النبي A للتنويه بشأن الكلام الوارد بعد النداء وهذا الكلام في معنى المقصد بالنسبة للجملة التي قبله لأنه لما تكفل الله له الكفاية وعطف لمؤمنين في إسناد الكفاية إليهم احتيج إلى بيان كيفية كفايتهم وتلك هي الكفاية بالذب عن الحوزة وقتال أعداء الله فالتعريف في ( القتال ) للعهد وهو القتال الذي يعرفونه أعني : قتال أعداء الدين .
والتحريض : المبالغة في المطلب .
ولما كان عموم الجنس الذي دل عليه تعريف القتال يقتضي عموم الأحوال باعتبار المقاتلين بفتح التاء وكان في ذلك إجمال من الأحوال وقد يكون العدو كثيرين ويكون المؤمنون أقل منهم بين هذا الإجمال بقوله ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) الآية .
وضمير ( منكم ) خطاب للنبي A وللمؤمنين .
وفصلت جملة ( إن يكن منكم عشرون صابرون ) لأنها لما جعلت بيانا لإجمال كانت مستأنفة استئنافا بيانيا لأن الإجمال من شأنه أن يثير سؤال سائل عما يعمل إذا كان عدد العدو كثيرا فقد صار المعنى : حرض المؤمنين على القتال بهذه الكيفية .
و ( صابرون ) ثابتون في القتال لأن الثبات على الآلام صبر لأن أصل الصبر تحمل المشاق والثبات منه قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ) وفي الحديث : " لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لاقيتم فاصبروا " وقال النابغة : .
تجنب بني حن فإن لقاءهم ... كريه وإن لم تلق إلا بصابر وقال زفر بن الحارث الكلابي : .
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا والمعنى : عرفوا بالصبر والمقدرة عليه وذلك باستيفاء ما يقتضيه من أحوال الجسد وأحوال النفس وفيه إيماء إلى توخي انتفاء الجيش فيكون قيدا للتحريض أي : حرض المؤمنين الصابرين الذين لا يتزلزلون فالمقصود أن لا يكون فيهم من هو ضعيف النفس فيفشل الجيش كقول طالوت ( إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني ) .
وذكر في جانب جيش المسلمين في المرتين عدد العشرين وعدد المائة وفي جانب جيش المشركين عدد المائتين وعدد الألف إيماء إلى قلة جيش المسلمين في ذاته مع الإيماء إلى أن ثباتهم لا يختلف باختلاف حالة عددهم في أنفسهم فإن العادة أن زيادة عدد الجيش تقوي نفوس أهله ولو مع كون نسبة عددهم من عدد عدوهم غير مختلفة فجعل الله الإيمان قوة لنفوس المسلمين تدفع عنهم وهم استشعار قلة عدد جيشهم في ذاته .
أما اختيار لفظ العشرين للتعبير عن مرتبة العشرات دون لفظ العشرة : فلعل وجهه أن لفظ العشرين أسعد بتقابل السكنات في أواخر الكلم لأن للفظة مائتين من المناسبة بسكنات كلمات الفواصل من السورة ولذلك كثر المائة مع الألف لأن بعدها ذكر مميز العدد بألفاظ تناسب سكنات الفاصلة وهو قوله ( لا يفقهون ) فتعين هذا اللفظ قضاء لحق الفصاحة