والسلم بفتح السين وكسرها ضد الحرب . وقرأه الجمهور بالفتح وقرأه حمزة وأبو بكر عن عاصم وخلف بكسر السين وحق لفظه التذكير ولكنه يؤنث حملا على ضده الحرب وقد ورد مؤن ؟ ثا في كلامهم كثيرا .
A E والأمر بالتوكل على الله بعد الأمر بالجنوح إلى السلم ليكون النبي A معتمدا في جميع شأنه على الله تعالى ومفوضا إليه تسيير أموره لتكون مدة السلم مدة تقو واستعداد وليكفيه الله شر عدوه إذا نقضوا العهد ولذلك عقب الأمر بالتوكل بتذكيره بأن الله السميع العليم أي السميع لكلامهم في العهد العليم بضمائرهم فهو يعاملهم على ما يعلم منهم . وقوله ( فاجنح لها ) جيء بفعل ( اجنح ) لمشاكلة قوله ( جنحوا . . ) وطريق القصر في قوله ( هو السميع العليم ) أفاد قصر معنى الكمال في السمع والعلم أي : فهو سميع منهم ما لا تسمع ويعلم ما لا تعلم . وقصر هذين الوصفين بهذا المعنى على الله تعالى عقب الأمر بالتوكل عليه يفضي إلى الأمر بقصر التوكل عليه لا على غيره . وفي الجمع بين الأمر بقصر التوكل عليه وبين الأمر بإعداد ما استطاع من القوة للعدو : دليل بين على أن التوكل أمر غير تعاطي أسباب الأشياء فتعاطي الأسباب فيما هو من مقدور الناس والتوكل فيما يخرج عن ذلك .
واعلم أن ضمير جمع الغائبين في قوله ( وإن جنحوا للسلم ) وقع في هذه الآية عقب ذكر طوائف في الآيات قبلها منهم مشركون في قوله تعالى ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ) ومنهم من قبل : إنهم من أهل الكتاب ومنهم من ترددت فيهم أقوال المفسرين : قيل : هم من أهل الكتاب وقيل : هم من المشركين وذلك قوله ( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ) الآية . قيل : هم قريظة والنضير وبنو قينقاع وقيل : هم من المشركين فاحتمل أن يكون ضمير ( جنحوا ) عائدا إلى المشركين . أو عائدا إلى أهل الكتاب أو عائدا إلى الفريقين كليهما .
فقيل : عاد ضمير الغيبة في قوله ( وإن جنحوا للسلم ) إلى المشركين قاله قتادة وعكرمة والحسن وجابر بن زيد ورواه عطاء عن ابن عباس وقيل : عاد إلى أهل الكتاب قاله مجاهد .
فالذين قالوا : إن الضمير عائد إلى المشركين قالوا : كان هذا في أول الأمر حين قلة المسلمين ثم نسخ بآية سورة براءة ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) الآية . ومن قالوا الضمير عائد إلى أهل الكتاب قالوا هذا حكم باق والجنوح إلى السلم إما بإعطاء الجزية أو بالموادعة .
والوجه أن يعود الضمير إلى صنفي الكفار : من مشركين وأهل الكتاب إذ وقع قبله ذكر الذين كفروا في قوله ( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا ) فالمشركون من العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام بعد نزول آية براءة فهي مخصصة العموم الذي في ضمير ( جنحوا ) أو مبينة إجماله وليست من النسخ في شيء . قال أبو بكر بن العربي " أما من قال إنها منسوخة بقوله ( فاقتلوا المشركين ) فدعوى فإن شروط النسخ معدومة فيها كما بيناه في موضعه " .
وهؤلاء قد انقضى أمرهم . وأما المشركون من غيرهم والمجوس وأهل الكتاب فيجري أمر المهادنة معهم على حسب حال قوة المسلمين ومصالحهم وأن الجمع بين الآيتين أولى : فإن دعوا إلى السلم قبل منهم إذا كان فيه مصلحة للمسلمين . قال ابن العربي ( فإذا كان المسلمون في قوة ومنعة وعدة : .
فلا صلح حتى تطعن الخيل بالقنا ... وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم وأن كان للمسلمين مصلحة في الصلح لانتفاع يجلب به أو ضر يندفع بسببه فلا بأس أن يبتدئ المسلمون به إذا احتاجوا إليه وأن يجيبوا إذا دعوا إليه . قد صالح النبي A أهل خيبر ووادع الضمري وصالح أكيد ردومة وأهل نجران وهادن قريشا لعشرة أعوام حتى نقضوا عهده " .
أما ما هم به النبي A من مصالحة عيينة بن حصن ومن معه على أن يعطيهم نصف ثمار المدينة فذلك قد عدل عنه النبي A بعد أن قال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ في جماعة الأنصار : لا نعطيهم إلا السيف