عطفت جملة ( وأعدوا ) على جملة ( فإما تثقفنهم في الحرب ) أو على جملة ( ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا ) فتفيد مفاد الاحتراس عن مفادها لأن قوله ( ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا ) يفيد توهينا لشأن المشركين فتعقيبه بالأمر بالاستعداد لهم : لئلا يحسب المسلمون أن المشركين قد صاروا في مكنتهم ويلزم من ذلك الاحتراس أن الاستعداد لهم هو سبب جعل الله إياهم لا يعجزون الله ورسوله لأن الله هيأ أسباب استئصالهم ظاهرها وباطنها .
والإعداد التهيئة والإحضار ودخل في ( ما استطعتم ) كل ما يدخل تحت قدرة الناس اتخاذه من العدة .
والخطاب لجماعة المسلمين وولاة الأمر منهم لأن ما يراد من الجماعة إنما يقوم بتنفيذه ولاة الأمور الذين هم وكلاء الأمة على مصالحها .
والقوة كمال صلاحية الأعضاء لعملها وقد تقدمت آنفا عند قوله ( إن الله قوي شديد العقاب ) وعند قوله تعالى ( فخذها بقوة ) وتطلق القوة مجازا على شدة تأثير شيء ذي أثر وتطلق أيضا على سبب شدة التأثير فقوة الجيش شدة وقعه على العدو وقوته أيضا سلاحه وعتاده وهو المراد هنا فهو مجاز مرسل بواسطتين فاتخاذ السيوف والرماح والأقواس والنبال من القوة في جيوش العصور الماضية واتخاذ الدبابات والمدافع والطيارات والصواريخ من القوة في جيوش عصرنا . وبهذا الاعتبار يفسر ما روى مسلم والترمذي عن عقبة بن عامر أن رسول الله A قرأ هذه الآية على المنبر ثم قال " ألا إن القوة الرمي " قالها ثلاثا أي أكمل أفراد القوة آلة الرمي أي في ذلك العصر . وليس المراد حصر القوة في آلة الرمي .
وعطف ( رباط الخيل ) على ( القوة ) من عطف الخاص على العام للاهتمام بذلك الخاص .
( والرباط ) صيغة مفاعلة أتي بها هنا للمبالغة لتدل على قصد الكثرة من ربط الخيل للغزو أي احتباسها وربطها انتظارا للغزو عليها كقول النبي A " من ارتبط فرسا في سبيل الله كان روثها وبولها حسنات له " الحديث . يقال : ربط الفرس إذا شده في مكان حفظه وقد سموا المكان الذي ترتبط فيه الخيل رباطا لأنهم كانوا يحرسون الثغور المخوفة راكبين على أفراسهم كما وصف ذلك لبيد في قوله : .
ولقد حميت الحي تحمل شكتي ... فرط وشاحي إن ركبت زمامها إلى أن قال : .
حتى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها .
أسهلت وانتصبت كجذع منيفة ... جرداء يحصر دونها جرامها ثم أطلق الرباط على محرس الثغر البحري وبه سموا رباط دمياط بمصر ورباط المنستير بتونس ورباط " سلا " بالمغرب الأقصى .
وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ) في سورة آل عمران .
وجملة ( ترهبون به عدو الله وعدوكم ) إما مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عن تخصيص الرباط بالذكر بعد ذكر ما يعمه وهو القوة وإما في موضع الحال من ضمير ( وأعدوا ) .
وعدو الله وعدوهم : هم المشركون فكان تعريفهم بالإضافة لأنها أخصر طريق لتعريفهم ولما تتضمنه من وجه قتالهم وإرهابهم ومن ذمهم أن كانوا أعداء ربهم ومن تحريض المسلمين على قتالهم إذ عدوا أعداء لهم فهم أعداء الله لأنهم أعداء توحيده وهم أعداء رسوله A لأنهم صارحوه بالعداوة وهم أعداء المسلمين لأن المسلمين أولياء دين الله والقائمون به وأنصاره . فعطف ( وعدوكم ) على ( عدو الله ) من عطف صفة موصوف واحد مثل قول الشاعر وهو من شواهد أهل العربية : .
إلى الملك القرم وابن الهما ... م وليث الكتيبة في المزدحم والإرهاب جعل الغير راهبا أي خائفا فإن العدو إذا علم استعداد عدوه لقتاله خافه ولم يجرأ عليه فكان ذلك هناء للمسلمين وأمنا من أن يغزوهم أعداؤهم فيكون الغزو بأيديهم : يغزون الأعداء متى أرادوا وكان الحال أوفق لهم وأيضا ذا رهبوهم تجنبوا إعانة الأعداء عليهم