تكرير لقوله ( كدأب آل فرعون ) المذكور قبله لقصد التأكيد والتسميع تقرير للإنذار والتهديد وخولف بين الجملتين تفننا في الأسلوب وزيادة للفائدة بذكر التكذيب هنا بعد ذكر الكفر هناك وهما سببان للأخذ والإهلاك كما قدمناه آنفا .
وذكر وصف الربوبية هنا دون الاسم العلم لزيادة تفظيع تكذيبهم لأن الاجتراء على الله مع ملاحظة كونه ربا للمجتريء يزيد جراءته قبحا لإشعاره بأنها جراءة في موضع الشكر لأن الرب يستحق الشكر .
وعبر بالإهلاك عوض الأخذ المتقدم ذكره ليفسر الأخذ بأنه آل إلى الإهلاك وزيد الإهلاك بيانا بالنسبة إلى آل فرعون بأنه إهلاك الغرق .
وتنوين ( كل ) للتعويض عن المضاف إليه أي : وكل المذكورين أي آل فرعون والذين من قبلهم .
( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ) استئناف ابتدائي انتقل به من الكلام على عموم المشركين إلى ذكر كفار آخرين هم الذين بينهم بقوله ( الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم ) الآية . وهؤلاء عاهدوا النبي A وهم على كفرهم ثم نقضوا عهدهم وهم مستمرون على الكفر وإنما وصفهم ( بشر الدواب ) لأن دعوة الإسلام أظهر من دعوة الأديان السابقة ومعجزة الرسول - A أسطع ولأن الدلالة على أحق ؟ ية الإسلام دلالة عقلية بينة فمن يجحده فهو أشبه بما لا عقل له وقد اندرج الفريقان من الكفار في جنس ( شر الدواب ) .
وتقدم آنفا الكلام على نظير قوله ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم ) الآية .
وتعربف المسند بالموصولية للإيماء إلى وجه بناء الخبر عنهم بأنهم شر الدواب .
والفاء في ( فهم لا يؤمنون ) عطفت صلة على صلة فأفادت أن الجملة الثانية من الصلة وأنها تمام الصلة المقصودة للإيماء أي : الذين كفروا من قبل الإسلام فاستمر كفرهم فهم لا يؤمنون بعد سماع دعوة الإسلام . ولما كان هذا الوصف هو الذي جعلهم شر الدواب عند الله عطف هنا بالفاء للإشارة إلى أن سبب إجراء ذلك الحكم عليهم هو مجموع الوصفين وأتى بصلة ( فهم لا يؤمنون ) جملة اسمية لإفادة ثبوت عدم إيمانهم وأنهم غير مرجو منهم الإيمان .
فإن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي المنفي مع عدم إيلاء المسند إليه حرف النفي لقصد إفادة تقوية نفي الإيمان عنهم أي الذين ينتفي الإيمان منهم في المستقبل انتفاء قويا فهم بعداء عنه أشد الابتعاد .
وليس التقديم هنا مفيدا للتخصيص لأن التخصيص لا أثر له في الصلة ولأن الأكثر في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي المنفي إذا لم يقع المسند إليه عقب حرف النفي أن لا يفيد تقديمه إلا التقوى دون التخصيص وذلك هو الأكثر في القرآن كقوله تعالى ( وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) إذ لا يراد وأنتم دون غيركم لا تظلمون .
فقوله ( الذين عاهدت منهم ) بدل من ( الذين كفروا ) بدلا مطابقا فالذين عاهدهم هم الذين كفروا فهم لا يؤمنون . وتعدية ( عاهدت ) ب ( من ) للدلالة على أن العهد كان يتضمن التزاما من جانبهم لأنه يقال أخذت منه عهدا أي التزاما فلما ذكر فعل المفاعلة الدال على حصول الفعل من الجانبين نبه على أن المقصود من المعاهدة التزامهم بأن لا يعينوا عليه عدوا وليست ( من ) تبعيضية لعدم متانة المعنى إذ يصير الذم متوجها إلى بعض الذين كفروا فهم لا يؤمنون وهم الذين ينقضون عهدهم .
وعن ابن عباس وقتادة : أن المراد بهم قريظة فإنهم عاهدوا النبي A أن لا يحاربوه ولا يعينوا عليه عدوه ثم نقضوا عهدهم فأمدوا المشركين بالسلاح والعدة يوم بدر واعتذروا فقالوا : نسينا وأخطأنا ثم عاهدوه أن لا يعودوا لمثل ذلك فنكثوا عهدهم يوم الخندق ومالوا مع الأحزاب وأمدوهم بالسلاح والأدراع .
A E