وتزيين الشيطان للمشركين أعمالهم : يجوز أن يكون إسنادا مجازيا وإنما المزين لهم سراقة بإغراء الشيطان بما سول إلى سراقة بن مالك من تثبيته المشركين على المضي في طريقهم لإنقاذ عيرهم وأن لا يخشوا غدر كنانة بهم وقيل تمثل الشيطان للمشركين في صورة سراقة وليس تمثل الشيطان وجنده بصورة سراقة وجيشه بمروري عن النبي A وإنما روي ذلك عن قول ابن عباس وتأويل ذلك : أن ما صدر من سراقة كان بوسوسة من الشيطان ويجوز أن يكون اسم الشيطان أطلق على سراقة لأنه فعل فعل الشيطان كما يقولون : فلان من شياطين العرب ويجوز أن يكون إسنادا حقيقيا أي زين لهم في نفوسهم بخواطر وسوسته وكذلك إسناد قول ( لا غالب لكم ) إليه مجاز عقلي باعتبار صدور القول والنكوص من سراقة المتأثر بوسوسة الشيطان . وكذلك قوله ( إني أرى ما لا ترون ) .
وقوله ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) إن كان من الشيطان فهو قول في نفسه وضمير الخطاب التفات استحضرهم كأنهم يسمعونه فقال قوله هذا وتكون الرؤية بصرية يعني رأى نزول الملائكة وخاف أن يضروه بإذن الله وقوله ( إني أخاف الله ) بيان لقوله ( إني أرى ما لا ترون ) أي أخاف عقاب الله فيما رأيت من جنود الله . وإن كان ذلك كله من قول سراقة فهو إعلان لهم برد جواره إياهم لئلا يكون خائنا لهم لأن العرب كانوا إذا أرادوا نقض جوار أعلنوا ذلك لمن أجاروه كما فعل ابن الدغنة حين أجار أبا بكر من أذى قريش ثم رد جواره من أبي بكر ومنه قوله تعالى ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ) فالمعنى : إني بريء من جواركم ولذلك قال له الحارث بن هشام : " إلى اين أتخذلنا " فيكون قد اقتصر على تأمينهم من غدر قومه بني كنانة . وتكون الرؤية علمية ومفعولها الثاني محذوفا اقتصارا .
وأما قوله ( إني أخاف الله والله شديد العقاب ) فعلى احتمال أن يكون الإسناد إلى الشيطان حقيقة فالمراد من خوف الله توقع أن يصيبه الله بضر من نحو الرجم بالشهب وإن كان مجازا عقليا وأن حقيقته قول سراقة فلعل سراقة قال قولا في نفسه لأنه كان عاهد رسول الله A على أن لا يدل عليه المشركين فلعله تذكر ذلك ورأى أن فيما وعد المشركين من الإعانة ضربا من خيانة العهد فخاف سوء عاقبة الخيانة .
و " التزيين " إظهار الشيء زينا أي حسنا وقد تقدم عند قوله تعالى ( كذلك زينا لكل أمة عملهم ) في سورة الأنعام وفي قوله ( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ) في سورة البقرة . والمعنى : أنه أراهم حسنا ما يعملونه من الخروج إلى إنقاذ العير ثم من إزماع السير إلى بدر .
و " تراءت " مفاعلة من الرؤية أي رأت كلتا الفئتين الأخرى .
و " نكص على عقبيه " رجع من حيث جاء . وعن مؤرج السدوسي : أن نكص رجع بلغة سليم ومصدره النكوص وهو من باب رجع .
وقوله " على عقبيه " مؤكد لمعنى نكص إذ النكوص لا يكون إلا على العقبين لأنه الرجوع إلى الوراء كقولهم : رجع القهقري ونظيره قوله تعالى في سورة المؤمنين ( فكنتم على أعقابكم تنكصون ) .
و ( على ) مفيدة للتمكن من السير بالعقبين . والعقبان : تثنية العقب وهو مؤخر الرجل وقد تقدم في قوله ( ونرد على أعقابنا ) في سورة الأنعام .
والمقصود من ذكر العقبين تفظيع التقهقر لأن عقب الرجل أخس القوائم لملاقاته الغبار والأوساخ .
( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ) A E