و ( البطر ) إعجاب المرء بما هو فيه من نعمة والاستكبار والفخر بها فالمشركون لما خرجوا من الجحفة خرجوا عجبا بما هم فيه من القوة والجدة .
A E و ( الرئاء بهمزتين أولاهما أصيلة والأخيرة مبدلة عن الياء لوقوعها متطرفة أثر ألف زائدة . ووزنه فعال مصدر راءى فاعل من الرؤية ويقال : مرآة وصيغة المفاعلة فيه مبالغة أي بالغ في إراءة الناس عمله محبة أن يروه ليفخر عليهم .
و ( سبيل الله ) الطريق الموصلة إليه وهو الإسلام شبه الدين في إبلاغه إلى رضي الله تعالى بالسبيل الموصل إلى بيت سيد الحي ليصفح عن وارده أو يكرمه .
وجيء في ( يصدون ) بصيغة الفعل المضارع : للدلالة على حدوث وتجدد صدهم الناس عن سبيل الله وأنهم حين خرجوا صادين عن سبيل الله ومكررين ذلك ومجد دينه . وباعتبار الحدوث كانت الحال مقارنة وأما التجدد فمستفاد من المضارعية ولا يجعل الحال مقدرة .
وقوله ( والله بما يعملون محيط ) تذكير للمسلمين بصريحه ووعيد للمشركين بالمعنى الكنائي لأن إحاطة العلم بما يعملون مجاز في عدم خفاء شيء من عملهم عن علم الله تعالى ويلزمه أنه مجازيهم عن عملهم بما يجازي به العليم القدير من اعتدى على حرمه والجملة حال من ضمير ( الذين خرجوا ) .
وإسناد الإحاطة إلى اسم الله تعالى : مجاز عقلي لأن المحيط هو علم الله تعالى فإسناد الإحاطة إلى صاحب العلم مجاز .
( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) .
( وإذ زين ) عطف على ( وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ) الآية : وما بينهما اعتراض رتب نظمه على أسلوبه العجيب ليقع هذا الظرف عقب تلك الجمل المعترضة فيكون له إتمام المناسبة بحكاية خروجهم وأحواله فإنه من عجيب صنع الله فيما عرض للمشركين من الأحوال في خروجهم إلى بدر مما كان فيه سبب نصر المسلمين وليقع قوله ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم ) عقب أمر المسلمين بما ينبغي لهم عند اللقاء ليجمع لهم بين الأمر بما ينبغي والتحذير مما لا ينبغي وترك التشبه بمن لا يرتضي فيتم هذا الأسلوب البديع المحكم الانتظام .
وأشارت هاته الآية إلى أمر عجيب كان من أسباب خذلان المشركين إذ صرف الله عن المسلمين كيدا لهم : حين وسوس الشيطان لسراقة بن مالك بن جعشم الكناني أن يجيء في جيش من قومه بني كنانة لنصر المشركين حين خرجوا للدفاع عن عيرهم فألقى الله في روع سراقة من الخوف ما أوجب انخزاله وجيشه عن نصر المشركين وأفسد الله كيد الشيطان بما قذفه الله في نفس سراقة من الخوف وذلك أن قريشا لما أجمعوا أمرهم على السير إلى إنقاذ العير ذكروا ما كان بينهم وبين كنانة من الحرب فكاد أن يثبطهم عن الخروج فلقيهم في مسيرهم سراقة بن مالك في جند معه راية وقال لهم : لا غالب لكم اليوم وإني مجيركم من كنانة . فقوي عزم قريش على المسير فلما أمعنوا السير وتقارب المشركون من منازل جيش المسلمين ورأى سراقة الجيشين نكص سراقة بمن معه وانطلقوا فقال له الحارث بن هشام أخو أبي جهل : " إلى أين اتخذ لنا في هذه الحال " فقال سراقة " إني أرى ما لا ترون " فكان ذلك من أسباب عزم قريش على الخروج والمسير حتى لقوا هزيمتهم التي كتب الله لهم في بدر وكان خروج سراقة ومن معه بوسوسة من الشيطان لئلا ينثني قريش عن الخروج وكان انخزال سراقة بتقدير من الله ليتم نصر المسلمين وكان خاطر رجوع سراقة خاطرا ملكيا ساقه الله إليه لأن سراقة لم يزل يتردد في أن يسلم منذ يوم لقائه رسول الله A في طريق الهجرة حين شاهد معجزة سوخ قوائم فرسه في الأرض وأخذه الأمان من رسول الله A ورويت له أبيات خاطب بها أبا جهل في قضيته في يوم الهجرة وما زال به ذلك حتى أسلم يوم الفتح .
A E