ومعنى الاختلاف في الميعاد : اختلاف وقته بأن يتأخر أحد الفريقين عن الوقت المحدود فلم يأتوا على سواء .
والتلازم بين شرط ( لو ) وجوابها خفي هنا وقد أشكل على المفسرين ومنهم من اضطر إلى تقدير كلام محذوف تقديره : ثم علمتم قلتكم وكثرتكم وفيه أن ذلك يفضي إلى التخلف عن الحضور لا إلى الاختلاف . ومنهم من قدر : وعلمتم قلتكم وشعر المشركون بالخوف منكم لما ألقى الله في قلوبهم من الرعب أي يجعل أحد الفريقين يتثاقل فلم تحضروا على ميعاد وهو يفضي إلى ما أفضى إليه القول الذي قبله ومنهم من جعل ذلك لما لا يخلو عنه الناس من عروض العوارض والقواطع وهذا أقرب ومع ذلك لا ينثلج له الصدر .
A E فالوجه في تفسير هذه الآية أن ( لو ) هذه من قبيل ( لو ) الصهيبية فإن لها استعمالات ملاكها : أن لا يقصد من ( لو ) ربط انتفاء مضمون جوابها بانتفاء مضمون شرطها أي ربط حصول نقيض مضمون الجواب بحصول نقيض مضمون الشرط بل يقصد أن مضمون الجواب حاصل لا محالة سواء فرض حصول مضمون شرطها أو فرض انتفاؤه أما لأن مضمون الجواب أولى بالحصول عند انتفاء مضمون الشرط نحو قوله تعالى ( ولو سمعوا ما استجابوا لكم ) وأما بقطع النظر عن أولوية مضمون الجواب بالحصول عند انتفاء مضمون الشرط نحو قوله تعالى ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) . ومحصل هذا أن مضمون الجزاء مستمر الحصول في جميع الأحوال في فرض المتكلم فيأتي بجملة الشرط متضمنة الحالة التي هي عند السامع مظنة أن يحصل فيها نقيض مضمون الجواب . ومن هذا قول طفيل في الثناء على بني جعفر ابن كلاب .
أبوا أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقي الذي لاقوه منا لملت أي فكيف بغير أمنا .
وقد تقدمت الإشارة إلى هذا عند قوله تعالى ( ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) في هذه السورة وكنا أحلنا عليه وعلى ما في هذه الآية عند قوله تعالى ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة ) الآية في سورة الأنعام .
والمعنى : لو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد أي في وقت ما تواعدتم عليه لأن غالب أحوال المتواعدين أن لا يستوي وفاؤهما بما تواعدوا عليه في وقت الوفاء به أي في وقت واحد لأن التوقيت كان في تلك الأزمان تقريبا يقدرونه بأجزاء النهار كالضحى والعصر والغروب لا ينضبط بالدرج والدقائق الفلكية والمعنى : فبالأحرى وأنتم لم تتواعدوا وقد أتيتم سواء في اتحاد وقت حلولكم في العدوتين فاعلموا أن ذلك تيسير بقدر الله لأنه قدر ذلك لتعلموا أن نصركم من عنده على نحو قوله ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) .
وهذا غير ما يقال في تقارب حصول حال لأناس : ( كأنهم كانوا على ميعاد ) كما قال الأسود بن يعفر يرثي هلاك أحلافه وأنصاره .
جرت الرياح على محل ديارهم ... فكأنهم كانوا على ميعاد فإن ذلك تشبيه للحصول المتعاقب .
وضمير ( اختلفتم ) على الوجوه كلها شامل للفريقين : المخاطبين والغائبين على تغليب المخاطبين كما هو الشأن في الضمائر مثله .
وقد ظهر موقع الاستدراك في قوله ( ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ) إذ التقدير : ولكن لم تتواعدوا وجئتم على غير أتعاد ليقضي الله أي ليحقق وينجز ما أراده من نصركم على المشركين . ولما كان تعليل الاستدراك المفاد بلكن قد وقع بفعل مسند إلى الله كان مفيدا أن مجيئهم إلى العدوتين على غير تواعد كان بتقدير من الله عناية بالمسلمين .
ومعنى ( أمرا ) هنا الشيء العظيم فتنكيره للتعظيم أو يجعل بمعنى الشأن وهم لا يطلقون ( الأمر ) بهذا المعنى إلا على شيء مهم ولعل سبب ذلك أنه ما سمي ( أمرا ) لا باعتبار أنه مما يؤمر بفعله أو بعمله كقوله تعالى ( وكان أمرا مقضيا ) وقوله ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) .
و ( كان ) تدل على تحقق ثبوت معنى خبرها لاسمها من الماضي مثل ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) أي ثبت له استحقاق الحقية علينا من قديم الزمان . وكذلك قوله ( وكان أمرا مقضيا ) . فمعنى ( كان مفعولا ) أنه ثبت له في علم الله أنه يفعل . فاشتق له صيغة مفعول من فعل للدلالة على أنه حين قدرت مفعوليته فقد صار كأنه فعل فوصف لذلك باسم المفعول الذي شأنه أن يطلق على من اتصف بتسلط الفعل في الحال لا في الاستقبال