والإنزال : هو إيصال شيء من علو إلى سفل وأطلق هنا على إبلاغ أمر من الله ومن النعم الإلهية إلى الرسول A والمسلمين فيجوز أن يكون هذا المنزل من قبيل الوحي أي والوحي الذي أنزلناه على عبدنا يوم بدر لكنه الوحي المتضمن شيئا يؤمنون به مثل قوله ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ) .
ويجوز أن يكون من قبيل خوارق العادات والألطاف العجيبة مثل إنزال الملائكة للنصر وإنزال المطر عند حاجة المسلمين إليه لتعبيد الطريق وتثبيت الأقدام والاستقاء .
وإطلاق الإنزال على حصوله استعارة تشبيها له بالواصل إليهم من علو تشريفا له كقوله تعالى ( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) . والتطهر ولا مانع من إرادة الجميع لأن عرض ذلك واحد وكذلك ما هو من معناه مما نعلمه أو لم علمناه .
و ( يوم الفرقان ) هو يوم بدر وهو اليوم السابع عشر من رمضان سنة اثنتين سمي يوم الفرقان لأن الفرقان بين الحق والباطل كما تقدم آنفا في قوله ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ) وقد كان يوم بدر فارقا بين الحق والباطل لأنه أول يوم ظهر فيه نصر المسلمين الضعفاء على المشركين الأقوياء وهو نصر المحقين الأذلة على الأعزة المبطلين وكفى بذلك فرقانا وتمييزا بين من هم على الحق ومن هم على الباطل .
A E فإضافة يوم إلى الفرقان إضافة تنويه به وتشريف وقوله ( يوم التقى الجمعان ) بدل من ( يوم الفرقان ) فإضافة ( يوم ) إلى جملة ( التقى الجمعان ) للتذكير بذلك الالتقاء العجيب الذي كان فيه نصرهم على عدوهم . والتعريف في ( الجمعان ) للعهد . وهما جمع المسلمين وجمع المشركين .
وقوله ( والله على كل شيء قدير ) اعتراض بتذييل الآيات السابقة وهو متعلق ببعض جملة الشرط في قوله ( وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ) فإن ذلك دليل على أنه لا يتعاصى على قدرته شيء فإن ما أسداه إليكم يوم بدر لم يكن جاريا على متعارف الأسباب المعتادة فقدرة الله قلبت الأحوال وأنشأت الأشياء من غير مجاريها ولا يبعد أن يكون من سبب تسمية ذلك اليوم يوم الفرقان أنه أضيف إلى الفرقان الذي هو لقب القرآن فإن المشهور أن ابتداء نزول القرآن كان يوم سبعة عشر من رمضان فيكون من استعمال المشترك في معنييه .
( إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم ) ( إذ ) بدل من ( يوم التقى الجمعان ) فهو ظرف ل ( أنزلنا ) أي زمن أنتم بالعدوة الدنيا وقد أريد من هذا الظرف وما أضيف إليه تذكيرهم بحالة حرجة كان المسلمون فيها وتنبيههم للطف عظيم حفهم من الله تعالى وهي حالة موقع جيش المسلمين من جيش المشركين وكيف التقى الجيشان في مكان واحد عن غير ميعاد ووجد المسلمون أنفسهم أمام عدو قوي العدة والعدة والمكانة من حسن الموقع . ولولا هذا المقصد من وصف هذه الهيئة لما كان من داع لهذا الإطناب إذ ليس من أغراض القرآن وصف المنازل إذا لم تكن فيه عبرة .
والعدوة بتثليث العين ضفة الوادي وشاطئه والضم والكسر في العين أفصح وعليهما القراءات المشهورة فقرأه الجمهور بضم العين وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بكسر العين .
والمراد بها شاطئ وادي بدر . وبدر اسم ماء . و ( الدنيا ) هي القريبة أي العدوة التي من جهة المدينة فهي أقرب لجيش المسلمين من العدوة التي من جهة مكة . والعدوة القصوى هي التي مما يلي مكة وهي كثيب وهي قصوى بالنسبة لموقع بلد المسلمين