ثانيها أن الحقوق الشرعية تستند للأوصاف المنضبطة فالقربى هي النسب ونسب رسول الله A لهاشم وأما بنو المطلب فهم وبنو عبد شمس وبنو نوفل في رتبة واحدة من قرابة رسول الله A لأن آباءهم هم أبناء عبد مناف وأخوة لهاشم فالذين نصروا رسول الله A وظاهروه في الجاهلية كانت لهم المزية وهم الذين أعطى رسول الله أعيانهم ولم يثبت أنه أعطى من نشأ بعدهم من أبنائهم الذين لم يحضروا ذلك النصر فمن نشأ بعدهم في الإسلام يساوون أبناء نوفل وأبناء عبد شمس فلا يكون في عطائه ذلك دليل على تأويل ذي القربى في الآية ببني هاشم وبني المطلب .
أما قول أبي حنيفة فقال الجصاص في أحكام القرآن : قال أبو حنيفة في الجامع الصغير : يقسم الخمس على ثلاثة أسهم " أي ولم يتعرض لسهم ذوي القربى " وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال : خمس الله والرسول واحد وخمس لذي القربى فلكل صنف سماه الله تعالى في هذه الآية خمس الخمس قال : وإن الخلفاء الأربعة متفقون على أن ذا القربى لا يستحق إلا بالفقر . قال : وقد اختلف في ذوي القربى من هم فقال أصحابنا : قرابة النبي A الذين حرم عليهم الصدقة وهم " آل علي والعباس وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث ابن عبد المطلب " وقال آخرون : بنو المطلب داخلون فيهم .
A E وقال أصبغ من المالكية : ذوو القربى هم عشيرة رسول الله A الأقربون الذين أمره الله بإنذارهم في قوله ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) وهم آل قصي . وعنه أنهم آل غالب بن فهر أي قريش ونسب هذا إلى بعض السلف وأخرج أبو حنيفة من القربى بني أبي لهب قال لأن النبي A قال " لا قرابة بيني وبين أبي لهب فإنه آثر علينا الأفجرين " رواه الحنيفة في كتاب الزكاة ولا يعرف لهذا الحديث سند وبعد فلا دلالة فيه لأن ذلك خاص بأبي لهب فلا يشمل أبناءه في الإسلام . ذكر ابن حجر في الإصابة أن محمد بن إسحاق وغيره روى عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قدمت درة بنت أبي لهب إلى رسول الله A فقالت : أن الناس يصيحون بي ويقولون : إني بنت حطب النار فقام رسول الله ؛ وهو مغضب شديد الغضب فقال " ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي ألا ومن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن أذاني فقد آذى الله " . فوصف درة بأنها من نسبه . والجمهور على أن ذوي القربى يستحقون دون اشتراط الفقر لأن ظاهر الآية أن وصف قربى النبي A هو سبب ثبوت الحق لهم في خمس المغنم دون تقييد بوصف فقرهم . وهذا قول جمهور العلماء .
وقال أبو حنيفة : لا يعطون إلا بوصف الفقر وروي عن عمر بن عبد العزيز . ففائدة تعيين خمس الخمس لهم أن لا يحاصهم فيه من عداهم من الفقراء هذا هو المشهور عن أبي حنيفة وبعض الحنفية يحكي عن أبي يوسف موافقة الجمهور في عدم اشتراط الفقر فيهم .
وقد جعل الله الخمس لخمسة مصارف ولم يعين مقدار ما لكل مصرف منه ولا شك أن الله أراد ذلك ليكون صرفه لمصارفه هذه موكولا إلى اجتهاد رسوله A وخلفائه من بعده فيقسم بحسب الحاجات والمصالح فيأخذ كل مصرف منه ما يفي بحاجته على وجه لا ضر معه على أهل المصرف الآخر وهذا قول مالك في قسمة الخمس وهو أصح الأقوال إذ ليس في الآية تعرض لمقدار القسمة ولم يرد في السنة ما يصح التمسك به لذلك فوجب أن يناط بالحاجة وبتقديم الأحوج والأهم عند التضايق والأمر فيه موكول إلى اجتهاد الإمام وقد قال عمر " فكان الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله " .
وقال الشافعي : يقسم لكل مصرف الخمس من الخمس لأنها خمسة مصارف فجعلها متساوية لأن التساوي هو الأصل في الشركة المجملة ولم يلتفت إلى دليل المصلحة المقتضية للترجيح وإذ قد جعل ما لله ولرسوله خمسا واحدا تبعا للجمهور فقد جعله بعد رسول الله لمصالح المسلمين .
وقال أبو حنيفة : ارتفع سهم رسول الله وسهم قرابته بوفاته وبقي الخمس لليتامى والمساكين وابن السبيل لأن رسول الله إنما أخذ سهما في المغنم لأنه رسول الله لا لأنه إمام فلذلك لا يخلفه فيه غيره