وأما الرسول " E " فلحقه حالتان : حالة تصرفه في مال الله بما ائتمنه الله على سائر مصالح الأمة وحالة انتفاعه بما يحب انتفاعه به من ذلك . فلذلك ثبت في الصحيح : أن النبي A كان يأخذ من الخمس نفقته ونفقة عياله ويجعل الباقي مجعل مال الله . وفي الصحيح : أن النبي A قال في الفيء " مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم " فيقاس عليه خمس الغنيمة وكذلك كان شأن رسول الله في انتفاعه بما جعله الله له من الحق في مال الله . وأوضح شيء في هذا الباب حديث عمر بن الخطاب . محاورته مع العباس وعلي . حين تحاكما إليه . رواه مالك في الموطأ ورجال الصحيح قال عمر " إن الله كان قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره قال ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين فكانت هذه خالصة لرسول الله ووالله ما احتازها دونكم ولا أستأثر بها عليكم قد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال . فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله " . والغرض من جلب كلام عمر قوله " ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله " .
A E وأما ذو " ذو القربى " ف " أل " في " القربى " عوض عن المضاف إليه كما في قوله تعالى في سورة البقرة " وآتى المال على حبه ذوي القربى " أي ذوي قرابة المؤتي المال . والمراد هنا هو " الرسول " المذكور قبله أي ولذوي قربى الرسول والمراد ب " ذي " الجنس أي : ذوي قربى الرسول أي : قرابته وذلك إكرام من الله لرسوله A إذ جعل لأهل قرابته حقا في مال الله . لأن الله حرم عليهم أخذ الصدقات والزكاة فلا جرم أنه أغناهم من مال الله . ولذلك كان حقهم في الخمس ثابتا بوصف القرابة .
فذو القربى مراد به كل من اتصف بقرابة الرسول E فهو عام في الأشخاص ولكن لفظ " القربى " جنس فهو مجمل وأجملت رتبة القرابى إحالة على المعروف في قربى الرجل وتلك هي قربى نسب الآباء دون الأمهات . ثم إن نسب الآباء بين العرب يعد مشتركا إلى الحد الذي تنشق منه الفصائل ومحملها الظاهر على عصبة الرجل من أبناء جدة الأدنى . وأبناء أدنى أجداد النبي A هم بنو عبد المطلب بن هاشم وإن شئت فقل : هم بنو هاشم لأن هاشما لم يبق له عقب في زمن النبي A إلا من عبد المطلب فالأرجح أن قربى الرسول A هم بنو هاشم وهذا قول مالك وجمهور أصحابه وهو إحدى روايتين عن أحمد بن حنبل وقاله ابن عباس وعلي ابن الحسين وعبد الله بن الحسن ومجاهد والأوزاعي والثوري وذهب ثور : أن القربى هنا : هم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم من بني عبد مناف . ومال إليه من المالكية ابن العربي ومتمسك هؤلاء ما رواه البخاري وأبو داود والنسائي عن جبير بن مطعم : أنه قال : أتيت أنا وعثمان بن عفان رسول الله نكلمه فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب فقلت يا رسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا وقرابتنا وقرابتهم واحدة فقال " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد " . وهو حديث صحيح لا نزاع فيه ولا في أن رسول الله A أعطى بني هاشم وبني المطلب دون غيرهم ولكن فعل رسول الله A فيه يحتمل العموم في الأموال المعطاة ويحتمل الخصوص لأمور : أحدها أن للنبي A في حياته سهما من الخمس فيحتمل أنه أعطى بني المطلب عطاء من سهمه الخاص جزاء لهم على وفائهم له في الجاهلية وانتصارهم له وتلك منقبة شريفة أيدوا بها دعوة الدين وهم مشركون فلم يضعها الله لهم وأمر رسوله بمواساتهم وذلك لا يكسبهم حقا مستمرا