وقد اختلف فقهاء الأمصار في مقتضى هذه الآية مع آية ( يسألونك عن الأنفال ) الخ . فقال مالك : ليس أموال العدو المقاتل حق لجيش المسلمين إلا الغنيمة والفيء . وأما النفل فليس حقا مستقلا بالحكم ولكنه ما يعطيه الإمام من الخمس لبعض المقاتلين زائدا على سهمه من الغنيمة على ما يرى من الاجتهاد ولا تعيين لمقدار النفل في الخمس ولا حد له ولا يكون فيما زاد على الخمس . هذا قول مالك ورواية عن الشافعي . وهو الجاري على ما عمل به الخلفاء الثلاثة بعد رسول الله A . وقال أبو حنيفة والشافعي في أشهر الروايتين عنه وسعيد بن المسيب : النفل من الخمس وهو خمس الخمس .
وعن الأوزاعي ومكحول وجمهور الفقهاء : النفل ما يعطي من الغنيمة يخرج من ثلث الخمس .
A E و ( ما ) في قوله ( أنما ) اسم موصول وهو اسم ( أن ) وكتبت هذه في المصحف متصلة ب ( أن ) لأن زمان كتابة المصحف كان قبل استقرار قواعد الرسم وضبط الفروق فيه بين ما يتشابه نطقه ويختلف معناه فالتفرقة في الرسم بين ( ما ) الكافة وغيرها لم ينضبط زمن كتابة المصاحف الأولى . وبقيت كتابة المصاحف على مثال المصحف الإمام مبالغة في احترام القرآن عن التغيير .
و ( من شيء ) بيان لعموم ( ما ) لئلا يتوهم أن المقصود غنيمة معينة خاصة . والفاء في قوله ( فأن لله خمسه ) لما في الموصول من معنى الاشتراط وما في الخبر من معنى المجازاة بتأويل : إن غنمتم فحق لله خمسه الخ .
والمصدر المؤول بعد ( أن ) في قوله ( فأن لله خمسه ) مبتدأ حذف خبره أو خبر حذف مبتدؤه وتقدير المحذوف بما يناسب المعنى الذي دلت عليه لام الاستحقاق أي فحق لله خمسه . وإنما صيغ على هذا النظم مع كون معنى اللام كافيا في الدلالة على الأحقية كما قرئ في الشاذ ( فلله خمسه ) لما يفيده الإتيان بحرف ( أن ) من الإسناد مرتين تأكيدا ولأن في حذف أحد ركني الإسناد تكثيرا لوجوه الاحتمال في المقدر من نحو تقدير : حق أو ثبات أو لازم أو واجب .
واللام للملك أو الاستحقاق وقد علم أن أربعة الأخماس للغزاة الصادق عليهم ضمير ( غنمتم ) فثبت به أن الغنيمة لهم عدا خمسها .
وقد جعل الله خمس الغنيمة حقا لله وللرسول ومن عطف عليهما وكان أمر العرب في الجاهلية أن ربع الغنيمة يكون لقائد الجيش ويسمى ذلك " المرباع " بكسر الميم .
وفي عرف الإسلام إذا جعل شيء حقا لله من غير ما فيه عبادة له : أن ذلك يكون للذين يأمر الله بتسديد حاجتهم منه فلكل نوع من الأموال مستحقون عينهم الشرع فالمعنى في قوله ( فأن لله خمسه ) ان الابتداء باسم الله تعالى للإشارة إلى أن ذلك الخمس حق الله يصرفه حيث يشاء وقد شاء فوكل صرفه إلى رسوله A ولمن يخلف رسوله من أئمة المسلمين . وبهذا التأويل يكون الخمس مقسوما على خمسة أسهم وهذا قول عامة علماء الإسلام وشذ أبو العالية رفيع الرياحي ولاء من التابعين فقال : إن الخمس يقسم على خمسة أسهم فيعزل منها سهم فيضرب الأمير بيده على ذلك السهم الذي عزله فما قبضت عليه يده من ذلك جعله للكعبة : أي على وجه يشبه القرعة ثم يقسم بقية ذلك السهم على خمسة : سهم للنبي A وسهم لذوي القربى وسهم اليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل . ونسب أبو العالية ذلك إلى فعل النبي A