( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير [ 41 ] ) انتقال لبيان ما أجمل من حكم الأنفال الذي افتتحته السورة ناسب الانتقال إليه ما جرى من الأمر بقتال المشركين إن عادوا إلى قتال المسلمين .
والجملة معطوفة على جملة ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) .
A E وافتتاحه ب ( اعلموا ) للاهتمام بشأنه والتنبيه على رعاية العمل به كما تقدم في قوله ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) فإن المقصود بالعلم تقرر الجزم بأن ذلك حكم الله والعمل بذلك المعلوم فيكون ( اعلموا ) كناية مرادا به صريحه ولازمه . والخطاب لجميع المسلمين وبالخصوص جيش بدر وليس هذا نسخا لحكم الأنفال المذكور أول السورة بل هو بيان لإجمال قوله ( لله وللرسول ) وقال أبو عبيد : إنها ناسخة وإن الله شرع ابتداء أن قسمة المغانم لرسوله A يريد أنها لاجتهاد الرسول بدون تعيين ثم شرع التخميس . وذكروا : أن رسول الله لم يخمس مغانم بدر ثم خمس مغانم أخرى بعد بدر أي بعد نزول آية سورة الأنفال وفي حديث علي : أن رسول الله أعطاه شارفا من الخمس يوم بدر فاقتضت هذه الرواية أن مغانم بدر خمست .
وقد اضطربت أقوال المفسرين قديما في المراد من المغنم في هذه الآية ولم تنضبط تقارير أصحاب التفاسير في طريقة الجمع بين كلامهم على تفاوت بينهم في ذلك ومنهم من خلطها مع آية سورة الحشر فجعل هذه ناسخة لآية الحشر والعكس أو أن إحدى الآيتين مخصصة للأخرى : إما في السهام وإما في أنواع المغانم وتفصيل ذلك يطول . وترددوا في مسمى الفيء فصارت ثلاثة أسماء مجالا لاختلاف الأقوال : النفل والغنيمة والفيء .
والوجه عندي في تفسير هذه الآية واتصالها بقوله ( يسألونك عن الأنفال ) أن المراد بقوله ( ما غنمتم ) في هذه الآية : ما حصلتم من الغنائم من متاع الجيش وذلك ما سمي بالأنفال في أول السورة فالنفل والغنيمة مترادفان وذلك مقتضى استعمال اللغة فعن ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة وعطاء : الأنفال الغنائم . وعليه فوجه المخالفة بين اللفظين إذ قال تعالى هنا ( غنمتم ) وقال في أول السورة ( يسألونك عن الأنفال ) لاقتضاء الحال التعبير هنا بفعل وليس في العربية فعل من مادة النفل يفيد إسناد معناه إلى من حصل له ولذلك فآية ( واعلموا أنما غنمتم ) سيقت هنا بيانا لآية ( يسألونك عن الأنفال ) فإنهما وردتا في انتظام متصل من الكلام . ونرى أن تخصيص اسم النفل بما يعطيه أمير الجيش أحد المقاتلين زائدا على سهمه من الغنيمة سواء كان سلبا أو نحوه مما يسعه الخمس أو من أصل مال الغنيمة على الخلاف الآتي إنما هو اصطلاح شاع بين أمراء الجيوش بعد نزول هذه الآية وقد وقع ذلك في كلام عبد الله بن عمر وأما ما روي عن ابن عباس : أن الأنفال ما يصل إلى المسلمين بغير قتال فجعلها بمعنى الفيء فمحمله على بيان الاصطلاح الذي اصطلحوا عليه من بعد .
وتعبيرات السلف في التفرقة بين الغنيمة والنفل غير مضبوطة وهذا ملاك الفصل في هذا المقام لتمييز أصناف الأموال المأخوذة في القتال فأما صور قسمتها فسيأتي بعضها في هذه الآية .
فاصطلحوا على أن الغنيمة ويقال : لها المغنم ما يأخذه الغزاة من أمتعة المقاتلين غصبا بقتل أو بأسر أو يقتحمون ديارهم غازين أو يتركه الأعداء في ديارهم إذا فروا عند هجوم الجيش عليهم بعد ابتداء القتال . فأما ما يظفر به الجيش في غير حالة الغزو من مال العدو وما يتركه العدو من المتاع إذا أخلوا بلادهم قبل هجوم جيش المسلمين فذلك الفيء وسيجيء في سورة الحشر