وجوزوا أن تكون ( ما ) في الآية نافية فيكون ( ان لا يعذبهم ) اسمها و ( لهم ) خبرها والتقدير وما عدم التعذيب كائنا لهم .
وجملة ( وهم يصدون عن المسجد الحرام ) في موضع الحال على التقديرين .
والصد الصرف ومفعول ( يصدون ) محذوف دل عليه السياق أي يصدون المؤمنين عن المسجد الحرام بقرينة قوله ( إن أولياؤه إلا المتقون ) فكان الصد عن المسجد الحرام جريمة عظيمة يستحق فاعلوه عذاب الدنيا قبيل عذاب الآخرة لأنه يؤول إلى الصد عن التوحيد لأن ذلك المسجد بناه مؤسسه ليكون علما على توحيد الله ومأوى للموحدين فصدهم المسلمين عنه لأنهم آمنوا بإله واحد صرف له عن كونه علما على التوحيد إذ صار الموحدون معدودين غير أهل لزيارته فقد جعلوا مضادين له فلزم أن يكون ذلك المسجد مضادا للتوحيد وأهله ولذلك عقب بقوله ( وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ) وهذا كقوله ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) . والظلم الشرك لقوله ( إن الشرك لظلم عظيم ) .
وهذا الصد الذي ذكرته الآية : هو عزمهم على صد المسلمين المهاجرين عن أن يحجوا ويعتمروا ولعلهم أعلنوا بذلك بحيث كان المسلمون لا يدخلون مكة . في الكشاف " كانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء " .
قلت ويشهد لذلك قضية سعد بن معاذ مع أبي جهل ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه حدث عن سعد بن معاذ : أنه كان صديقا لامية بن خلف وكان أمية إذا مر بالمدينة نزل على سعد وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية فلما هاجر رسول الله A إلى المدينة انطلق سعد معتمرا فنزل على أمية بمكة فقال لامية انظر لي ساعة خلوة لعلي أطوف بالبيت فخرج قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل فقال : يا أبا صفوان من " كنية أمية بن خلف " هذا معك فقال : هذا سعد " فقال له أبو جهل : إلا أراك تطوف بالبيت آمنا وقد آويتم الصباة أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى اهلك سالما " الحديث .
وقد أفادت الآية : أنهم استحقوا العذاب فنبهت على أن ما أصابهم يوم بدر من القتل والاسر هو من العذاب ولكن الله قد رحم هذه الأمة تكرمة لنيبه محمد A فلم يؤاخذ عامتهم بظلم الخاصة سلط على كل أحد من العذاب ما يجازي كفره وظلمه وإذايته النبي A والمسلمين ولذلك عذب بالقتل والأسر والإهانة نفرا عرفوا بالغلو في كفرهم وأذاهم مثل النضر بن الحارث وطعيمة بن عدي وعقبة بن أبي معيط وأبي جهل وعذب بالخوف والجوع من كانوا دون هؤلاء كفرا واستبقاهم وأمهلهم فكان عاقبة أمرهم أن أسلموا بقرب أو بعد وهؤلاء مثل أبي سفيان وحكيم بن حزام وخالد بن الوليد فكان جزاؤه إياهم على حسب علمه وحقق بذلك رجاء رسول الله A إذ قال " لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده " .
وجملة ( وما كانوا أولياءه ) في موضع الحال من ضمير ( يصدون ) والمقصود نم هذه الحال إظهار اعتدائهم في صدهم عن المسجد الحرام فان من صد عما هوله من الخير كان ظالما ومن صد عما ليس من حقه كان أشد ظلما ولذلك قال تعالى ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ) أي لا أظلم منه أحد لأنه منع شيئا عن مستحقه .
وجملة ( إن أولياؤه إلا المتقون ) تعيين لأوليائه الحق وتقرير لمضمون ( وما كانوا أولياءه ) مع زيادة ما أفاده القصر من تعيين أوليائه فهي بمنزلة الدليل على نفي ولاية المشركين ولذلك فصلت .
وإنما لم يكتف بجملة القصر مع اقتضائه أن غير المتقين ليسوا أولياء المسجد الحرام لفصد التصريح بظلم المشركين في صدهم المسلمين عن المسجد الحرام بأنهم لا ولاية لهم عليه فكانت جملة ( وما كانوا أولياءه ) أشد تعلقا بجملة ( وهم يصدون عن المسجد الحرام ) من جملة ( إن أولياؤه إلا المتقون ) وكانت جملة ( إن أولياؤه إلا المتقون ) كالدليل فانتظم الاستدلال أبدع انتظام ولما في إناطة ولاية المسجد الحرام بالمتقين من الإشارة إلى أن المشركين الذين سلبت عنهم ولايته ليسوا من المتقين فهو مذمة لهم وتحقيق للنفي بحجة .
A E