وقال ابن عطية قالت فرقه نزلت هذه الآية كلها بمكة وقال ابن أبزى نزل قوله ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) بمكة إثر قولهم ( أو آيتنا بعذاب أليم ) ونزل قوله ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) عند خروج النبي A إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون ونزل قوله ( وما لهم أن لا يعذبهم الله ) بعد بدر .
وفي توجيه الخطاب بهذا إلى النبي A واجتلاب ضمير خطابه بقوله ( وأنت فيهم ) لطيفة من التكرمة إذ لم يقل وما كان الله ليعذبهم وفيهم رسوله كما قال ( وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ) .
وأما قوله ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) فقد أشكل على المفسرين نظمها وحمل ذلك بعضهم على تفكيك الضمائر فجعل ضمائر الغيبة من ( يعذبهم ) و ( فيهم ) و ( ومعذبهم ) للمشركين وجعل ضمير وهم يستغفرون للمسلمين فيكون عائدا إلى مفهوم من الكلام يدل عليه ( يستغفرون ) فانه لا يستغفر الله إلا المسلمون وعلى تأويل الإسناد فانه إسناد الاستغفار لمن حل بينهم من المسلمين بناء على أن المشركين لا يستغفرون الله من الشرك .
فالذي يظهر أنها جملة معترضة انتهزت بها فرصة التهديد بتعقيبه بترغيب على عادة القرآن في تعقيب الوعيد بالوعد فبعد أن هدد المشركين بالعذاب ذكرهم بالتوبة من الشرك بطلب المغفرة من ربهم بان يؤمنوا بأنه واحد ويصدقوا رسوله فهو وعد بأن التوبة من الشرك تدفع عنهم العذاب وتكون لهم أمنا وذلك هو المراد بالاستغفار إذ من البين أن ليس المراد بيستغفرون أنهم يقولون : غفرانك اللهم ونحوه إذ لا عبرة بالاستغفار بالقول والعمل يخالفه فيكون قوله ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) تحريضا وذلك في الاستغفار وتلقينا للتوبة زيادة في الأعذار لهم على معنى قوله ( ويفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ) وقوله ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين ) .
وفي قوله ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) تعريض بأنه يوشك أن يعذبهم إن لم يستغفروا وهذا من الكناية العرضية .
وجملة ( وهم يستغفرون ) حال مقدرة أي إذا استغفروا الله من الشرك وحسن موقعها هنا أنها جاءت قيدا لعمل منفي فالمعني وما كان الله معذبهم لو استغفروا .
وبذلك يظهر أن جملة ( وما لهم أن لا يعذبهم الله ) صادفت محزها من الكلام أي لم يسلكوا يحول بينهم عذاب الله فليس لهم أن ينتفي عنهم عذاب الله .
وقد دلت الآية على فضيلة الاستغفار وبركته بإثبات بان المسلمين آمنوا من العذاب الذي عذب الله به الأمم لأنهم استغفروا من الشرك باتباعهم الإسلام روى الترمذي عن أبي موسى قال " قال رسول الله A " أنزل الله علي أمانين لأمتي وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة " .
( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون [ 34 ] ) عطف على قوله ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) وهو ارتقاء في بيان أنهم أحقاء بتعذيب الله إياهم بيانا بالصراحة .
و ( ما ) استفهامية والاستفهام إنكاري وهي في محل المبتدإ ( ولهم ) خبره واللام للاستحقاق والتقدير ما الذي ثبت لهم لأن ينتفي عنهم عذاب الله فكلمة ( ما ) اسم استفهام إنكاري والمعنى لم يثبت لهم شيء .
وأن لا يعذبهم مجرور بلام جر محذوفة بعد ( أن ) على الشائع من حذف الجر مع ( أن ) والتقدير : أي شيء كان لهم في عدم تعذيبهم أي لم يكن شيء في عدم تعذيبهم أو من عدم تعذيبهم أي أنهم لا شيء يمنعهم من العذاب والمقصود الكناية عن استحقاقهم العذاب وحلوله بهم أو توقع حلوله بهم تقول العرب : مالك أن لا تكرم أي أنت حقيق بان تكرم ولا يمنعك من الإكرام شيء فاللفظ نفي لمانع الفعل والمقصود أن الفعل توفرت أسبابه ثم انتفت موانعه فلم يبق ما يحول بينك وبينه .
وقد يتركون ( أن ) ويقولون ما لك لا تفعل فتكون الجملة المنفية بعد الاستفهام في موضع الحال وتكون تلك الحال هي مثير الاستفهام الإنكاري وهذا هو المعنى الجاري على الاستعمال .
A E