A E .
إن كان ما بلغت عني فلا منى ... صديقي وشلت من يدي الأنامل .
وكفنت وحدي منذرا بردائه ... وصادف حوطا من أعادي قاتل وقال الأشتر النخعي : .
بقيت وفري وانحرفت عن العلا ... ولقيت أضيافي بوجه عبوس .
إن لم أشن على ابن حرب غارة ... لم تخل يوما من نهاب نفوس وقد ضمن الحريري في المقامة العاشرة هذه الطريقة في حكاية يمين وجهها أبو زيد السروجي على غلامه المزعوم لدى والي رحبة مالك بن طوق حتى اضطر الغلام إلى أن يقول " الاصطلاء بالبلية ولا الابتلاء بهذه الألية " .
فمعنى كلامهم : إن هذا القرآن ليس حقا من عندك فان كان حقا فأصبنا بالعذاب وهذا يقتضي أنهم قد جزموا بأنه ليس بحق وليس الشرط على ظاهره حتى يفيد ترددهم في كونه حقا ولكنه كناية عن اليمين وقد كانوا لجهلهم وضلالهم يحسبون أن الله يتصدى لمخاطرتهم فإذا سألوه أن يمطر عليهم حجارة إن كان القرآن حقا منه أمطر عليهم الحجارة وأرادوا أن يظهروا لقومهم صحة جزمهم بعدم حقية القرآن فأعلنوا الدعاء على أنفسهم بان يصيبهم عذاب عاجل أن كان القرآن حقا من الله ليستدلوا بعدم نزول العذاب على أن القرآن ليس من عند الله وذلك في معنى القسم كما علمت .
وتعليق الشرط بحرف ( إن ) لأن الأصل فيها عدم اليقين بوقوع الشرط فهم غير جازمين بأن القرآن حق ومنزل من الله بل هم موقنون بأنه غير حق واليقين بأنه غير حق أخص من عدم اليقين بأنه حق .
وضمير ( هو ) ضمير فصل فهو يقتضي تقوي الخبر أي : إن كان هذا حقا ومن عندك بلا شك .
وتعريف المسند بلام الجنس يقتضي الحصر فاجتمع في التركيب تقو وحصر وذلك تعبيرهم يحكون به أقوال القرآن المنوهة بصدقه كقوله تعالى ( إن هذا لهو القصص الحق ) وهم إنما أرادوا إن كان القرآن حقا ولا داعي لهم إلى نفي قوة حقيته ولا نفي انحصار الحقية فيه وإن كان ذلك لازما لكونه حقا لأنه إذا كان حقا ما هم عليه باطلا فصح اعتبار انحصار الحقية فيه انحصارا إضافيا إلا أنه لا داعي إليه لولا أنهم أرادوا حكاية الكلام الذي يبطلونه .
وهذا الدعاء كناية منهم عن كون القرآن ليس كما يوصف به للتلازم بين الدعاء على أنفسهم وبين الجزم بانتفاء ما جعلوه سبب الدعاء بحسب عرف كلامهم واعتقادهم .
و ( من عندك ) حال من الحق أي منزلا من عندك فهم يطعنون في كونه حقا وفي كونه منزلا من عند الله .
وقوله ( من السماء ) وصف لحجارة أي حجارة مخلوقة لعذاب من تصيبه لأن الشأن أن مطر السماء لا يكون بحجارة كقوله تعالى ( فصب عليهم ربك سوط عذاب ) " والصب قريب من الأمطار " .
ذكروا عذابا خاصا وهو مطر الحجارة ثم عمموا فقالوا ( أو ائتنا بعذاب أليم ) ويريدون بذلك كله عذاب الدنيا لأنهم لا يؤمنون بالآخرة ووصفوا العذاب بالأليم زيادة في تحقيق يقينهم بأن المحلوف عليه بهذا الدعاء ليس منزلا من عند الله فلذلك عرضوا أنفسهم لخطر عظيم على تقدير أن يكون القرآن حقا ومنزلا من عند الله .
وإذ كان هذا القول إنما يلزم قائله خاصة ومن شاركه فيه ونطق به مثل النضر وأبي جهل ومن التزم ذلك وشارك فيه من أهل ناديهم كانوا قد عرضوا أنفسهم به إلى تعذيب الله إياهم انتصارا لنبيه وكتابه وكانت الآية نزلت بعد أن حق العذاب على قائلي هذا القول وهو عذاب القتل المهين بأيدي المسلمين يوم بدر قال تعالى ( يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ) وكان العذاب قد تأخر عنهم زمنا اقتضته حكمة الله بين الله لرسوله في هذه الآية سبب تأخر العذاب عنهم حين قالوا ما قالوا وأيقظ النفوس إلى حلوله بهم وهم لا يشعرون .
فقوله ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) كناية عن استحقاقهم وإعلام بكرامة رسوله A عنده لأنه جعل وجوده بين ظهراني المشركين مع استحقاقهم العقاب سببا في تأخير العذاب عنهم وهذه مكرمة أكرم الله بها نبيه محمدا A فجعل وجوده في مكان مانعا من نزول العذاب على أهله فهذه الآية إخبار عما قدره الله فيما مضى .
A E